مقدسات ومحرمات وحروب.. ألغاز الثقافة -الحلقة 10-

يتناول كتاب «مقدسات ومحرمات وحروب: ألغاز ثقافية» لـمؤلفه «مارفين هاريس» بعض من الأعراف المحيرة بين الشعوب الأمية أو البدائية، والتي تبدو ألغازا عصية على الحل، بل وتحيل على الجهل والخوف والتناقض كعناصر أساسية تشكل الوعي اليومي.
امتناع الهندوس عن أكل لحم الأبقار، أو كره اليهود، والمسلمين، أو لماذا يؤمن بعض الناس بالمخلصين بينما يؤمن آخرون بالساحرات، هي صورة في ما لا يعد ولا يحصى من أوهام مكتسبة واسعة، تعزز قناعتنا الأعمق بالكيفية التي يتحتم من خلالها أن يتصرف وفقها أناس بعقلياتهم الشرقية المبهمة.
بيان اليوم تقدم لقرائها بعض من هذا الإصدار الممتع ضمن حلقات رمضانية.

عصي المكانس ومجمع السحرة

تشير التقديرات إلى أن 500 ألف شخص كانوا قد أُدينوا بالسحر وأُحرقوا حتى الموت في أوروبا بين القرنين الخامس عشر والسابع عشر. وكانت جرائمهم: الاتفاق مع الشيطان الرحلات عبر الهواء إلى مسافات شاسعة راكبين على عصي المكانس، اللقاء الشياطين في الاجتماعات، عبادة الشيطان تقبيل الشيطان تحت الذيل الجماع مع إنكوبي (incubi) هي شياطين مذكرة مزوّدة بقضبان من الجليد، الجماع مع ساكوبي sacoubi))، وهي شياطين مؤنثة. كما أضيفت غالبًا تهم أخرى أكثر دنيوية: قتل بقرة الجيران التسبب بعواصف البرد، تخريب المحاصيل سرقة الأطفال الرضع وأكلهم، غير أن كثيرًا من السحرة كان قد أعدم بلا جريمة سوى الطيران في الهواء لحضور محفل السحرة.
أريد التمييز بين نوعين منفصلين من ألغاز السحر. بداية، ثمة مشكلة كيف يمكن أن يعتقد أي شخص أنّ السحرة يطيرون في الهواء على عصي المكانس. ومن ثم هناك مشكلة منفصلة إلى حد كبير، وهي لماذا يمكن أن تصبح هذه الفكرة شعبية إلى هذه الدرجة في القرنين السادس عشر والسابع عشر. أعتقد أنّ الحلول العملية والدنيوية يمكن أن توجد بالنسبة إلى كلا اللغزين دعونا: أولا نركز على لماذا وكيف طار السحرة إلى الاجتماعات مع الشياطين.
على الرغم من وجود عدد كبير من الاعترافات، إلا إنّ القليل معروف في الواقع عن تواريخ حالات الاعتراف الذاتي للسحرة. أكد بعض المؤرخين أن هذا الخليط الشاذ والمعقد – الاتفاق مع الشيطان، والطيران على عصا المكنسة الطائرة، والاجتماع بالشياطين كان اختراعا من حارقي السحرة وليس من السحرة المحروقين. لكن كما سنرى كان لدى بعض المتهمين في الأقل إحساس ما قبل المحاكمة بكونهم سحرة واعتقدوا بحماسة أنهم يمكن أن يطيروا في الهواء ويجامعوا الشياطين.
كان الاضطراب الحاصل يقع في أثناء الاعترافات بسبب أن الحصول على الاعترافات كان يحصل عادة بينما يتعرض الساحر المتهم للتعذيب. كان التعذيب يطبق بصورة روتينية حتى يعترف الساحر أنه عقد اتفاقا الشيطان وطار إلى الاجتماع به وكان الساحر يستفيض حتى يسمي الأشخاص الآخرين الذين كانوا موجودين في يوم الاجتماع. وإذا حاول ساحر التراجع عن اعترافاته، كان التعذيب يُطبق بشكل مكثف حتى تُستعاد الاعترافات الأصلية. ويترك ذلك الشخص المتّهم بالسحر بين خيار الموت حالا والسوق مباشرة إلى وتد الحرق أو العودة بصورة متكررة إلى غرف التعذيب. معظم الأشخاص اختار الوتد ومكافأة لموقفهم المتعاون كان بإمكان السحرة التائبين أن يأملوا بالشنق قبل أن تشتعل النار.
دعوني أصف حالة واحدة من بين مئات الحالات التي وثقها مؤرخ السحر الأوروبي تشارلز هنري لي وهي حادثة جرت في عام 1601 في مدينة أوفنبرغ، الموجودة في ما سيعرف لاحقا بألمانيا الغربية. اعترفت امرأتان متشردتان تحت التعذيب بأنهما ساحرتان وعندما ألحوا عليهما لتحديد الأشخاص الآخرين الذين التقتا بهم يوم الاجتماع بالشيطان، سمتا زوجة الخباز، إلز جوينر. أحضرت إلز جوينر لتمثل أمام المحققين في 31 أكتوبر 1601، ونفت بقوة أي معرفة لها بالشعوذة تعرضت لحوافز كي تجنب نفسها آلاما لا طائل لها لكنها أصرت على نفيها كانت يداها مقيدتين خلف ظهرها ورفعت عن الأرض بواسطة حبل مربوط بمعصميها – وهي طريقة تعذيب تعرف بالوضع المقلوب. بدأت المرأة بالصراخ وقالت إنها ستعترف، وتوسلت أن ينزلوها. وعندما أُنزلت، كان كل ما قالته فليسامحهم الأب، لأنهم لا يعرفون ماذا يفعلون. أعيد تطبيق التعذيب، ولم ينجح إلا في جعلها تفقد الوعي.
تمت إحالتها إلى السجن وعُذِّبت ثانية في 7 نوفمبر ورفعت ثلاث مرات بطريقة الوضع المقلوب – مع ربط أوزان متزايدة تدريجيا بجسمها. وفي الرفع الثالث صرخت المرأة قائلة إنها لم تعد تتحمل. أنزلوها، واعترفت بأنها تمتعت بالحب مع “شيطان” . لم يكتف المحققون ورغبوا في الاستزادة. علّقوها من جديد أوزان أثقل وحضّوها على قول الحقيقة. وعندما عادت إلى الجلوس من جديد، أصرّت إلى أنّ «اعترافاتها كانت كاذبة للتهرب من المعاناة» وأن «الحقيقة هي أنها بريئة».

< إعداد: ايت اومزيد سعيد

Related posts

Top