ملامح خلف الستار

أضيئي أيتها الملامح
أضيئي مِن جديد، وفي كل ركن وكل حين لا تنطفئي أبدا، شيء فيك دون غيرك يقسم على أن العتمة لا تليق بك،
يُقسمُ أنك كوكب دري يستحق سماء صافية؛ لا يعلوها غبار، ولا تتخللها شياطين تسترق الضوء منِك؛ سماء لا يعتريها سحاب أسود؛ لا فيه خير ولا مطر؛ بل سحاب مُحمَّل بالرِّي؛ يُشبه روحكِ البريئة الطاهرة، مُزين بهالاتٍ تُضيء كُل ذي ظلام، ويمطر لكُل أرض بورٍ تشققت عطشًا،
وأصوات رعدٍ وبرق لمَن تحدثه نفسه أو تسوَّل له أن تنطفئي..
فتنام منكسرة القلب ثم تستيقظ فجأة في شعور آخر تتوق لكتابة رسالة عجولة أو رسم لوحة شاردة هربا من شعور يؤمن بالرحيل رغم الحبّ وبالصمت رغم الرغبة في البوح.
وما أكثر شعوري بالفقد…
هذا ما يحدث معي توا، رغبت في الكتابة لك على حين شوق داهمني، لن أغفر لنفسي أبدا لأني أطرقتُ طرفي ومضيتُ نحو مصير مجهول،
فتحت بابا مغلقا غادرتني منه الأحلام والأمنيات والأشياء النبيلة يوما ولم تعد،
غادرني الربيع وتفاصيل وجه شاركته الحزن وكوابيس الصيف واِنهمار الرغبات القاتلة في منتصف العناق وعصامية امرأة ثائرة،
شاركته مقعد الوحدة وعبثية العلاقات وآثار الصدف وتفاصيل الشتاء.
ولازِلتُ أخطو كي لا أنطفئ كل خطوة ويدي على قلبي، أحاوِل أن أتَشَبّث بذلك الأمل المُتبَقّي في قلبي..
أحاوِل أن لا أضعَف وأن لا يتَملّك اليأس منّي فأفقِدُني..
لقد سلبَت منّي الأيام طاقتي وسرَقَني الحزن من نفسي، أفتَقِدُ لذلك الوهج الذي كانَ يِضيئني، أحِنّ إلى نُسخَتي السابقة الغارقة بالشغف..
ساعِديني يا ملامحي وأعيدَني إلى نفسي، كل محاولاتي البائسة للنجاة باءَت بالفشل، أصبحَ كل شيء واضح وضوح العَين، بأنني سأظَل غارِقا في هذا الأمر،
لا شيء سيتغَيّر، سيبقى الوجع قابعاً في قلبي، مهما حاولتُ.
فالحال الذي وصلتُ إليه باقٍ كما هو، حاولتُ التأقلُم، حاولتُ أن أعتاد ولكن لاشيء باتَ يُجدي نفعاً،
لاشيء يُغيّر حقيقةَ أنّ قلبي يُكابِد مشاعِر أعجز عن فهمِها، شعورٌ بداخلي يكسِرُني رُويداً رُوَيدا..
ليتَني تركتُ المحطات خالية ورائي، كانَ علَيّ أن أُغادِر قبلَ أن تُغادرُني الأشياء كلها..
لم أستطِع تجاوز أو حتى تقبِّل ما حدثَ معي.. لقد أعطَيتُ كلّ شيء حرفِيًّا، أعطَيتُهم كل طاقتي، وكل مجهودي،
أحببتُهم بطريقة مختلِفة نوعاً ما، طريقة تميّزَت بالعطاء المُفرِط من حب واهتمام، كنتُ أظُن أنّ طريقتي ستُحافظ عليهم، سيبقونَ بجانبي مهما حصَل..
صدقوني سنلتقي يوما على ضفاف ليل مجنون ونتسامر على ضوء القمر وسأخبركم حتماً على أعتاب سنوات مضت وامتدت تقاوم الوحشة التي حصَرَتها في صمت.
عن الحكاية التي كبرت بين يأس وأمل عن النسمة العابرة التي كانت تنعش روحي وعن الطائر المهاجر الذي كان يحاول الوصول إليكم،
إن السنوات الفائتة كانت تشبه غيابي وتشبهني وتشبه الكثيرين الذين يحاولون النجاة من الحياة..
فآه يا ملامحي لو تعلمين كيفَ تسرّبوا منّي كلهم دفعة واحدة..
أنا نادِمة وجدا، نادمة لأنني عِشتُ عمري من أجل اللاشيء..
أنظُر إلى راحة يدي.. فارغة من كل شيء.. أبَقيتُها مفتوحة، ما عِدتُ أشُد قبضتي على أحَد..
لطالما أسرفتُ في انتظار العبث لأنه كان ترياقا يعيد لي الحياة التي ماتت داخلي، كنتُ العائدة إليه من منافي بعيدة، المعتادة دوما على خيباته الكبيرة
فالحياة معي تغيرت كثيرا لم تعد هناك أشياء تختلس شغفي، فقط هما عيناي عبارة عن وهم هربا من فيلم شاهدته معي يوماً،
فيلم مستوحى من عالمي الموازي الذي لا يعرف أحدا عنه شيئا، وحدها رغبتي بالهرب كانت واقفة على قمّة الحب و عزيمة الإصرار و عمق التجّلي.
أتَدري يا ملامحي ما الموجع في الأمر..؟
أن تصلين للمرحلة التي تنظرين إلى نفسك في المرآة مرات عدّة متسائلة :
ماذا فعلت لأنال كل هذا؟
أضيئي، وأنيري، والمعي، تلألئي كما نجمةٍ أخيرة؛ مجرَّات الدنيا كلها في حاجةٍ إليها..
أضيئ كما لو أنك لم تنطفئ من قبل..
أضيئي كما لو أنكِ لن تنطفئينَ بعد..

بقلم: هند بومديان

Top