كشفت وزارة الداخلية الإسبانية استقبال جزر الكناري لـ 16 ألف و760 مهاجرا غير شرعي، خلال الفترة الممتدة بين 1 يناير و15 نونبر 2020، بنسبة زيادة تعدت ألف و19 في المائة بالمقارنة مع الفترة نفسها من سنة 2019، حيث استقبل أرخبيل الخالدات حينها ألف و497 مهاجرا غير نظامي فقط.
وتجاوز هذا الرقم عدد المهاجرين الذين وصلوا إلى إسبانيا برا أو بحرا برسم السنة الجارية، والذي حدده تقرير الداخلية الإسبانية في 15 ألف و667 مهاجرا غير شرعي، بانخفاض وصلت نسبته إلى ناقص 22.8 في المائة بالمقارنة مع سنة 2019 التي وصل فيها 19 ألف و762 مهاجرا غير نظامي.
وسجل التقرير ذاته الذي حصلت جريدة بيان اليوم على نسخة منه، أن عدد القوارب التي رست بشواطئ جزر الكناري بلغ منتصف شهر نونبر 553 قاربا، في وقت لم تتعد فيه خلال سنة 2019، رقم 93 قاربا، أي بزيادة 460 قاربا جديدا برسم السنة الجارية (بنسبة زيادة بلغت 494.6 في المائة).
ودفع تفاقم الهجرة غير الشرعية بجزر الكناري السلطات الإسبانية إلى إقامة خيام على شواطئ الجزر السبعة، لاستقبال المهاجرين الذين يخاطرون بأرواحهم فوق أمواج المحيط الأطلسي على متن قوارب الصيد التقليدي، أو القوارب المطاطية.
وتذكر هذه الموجة الحالية من الهجرة، بأزمة العام 2006 عندما وصل نحو 30 ألف مهاجر إلى جزر الكناري ما دفع بإسبانيا وقتها إلى تكثيف الدوريات وتوقيع اتفاقيات لإعادة المهاجرين، وهو ما تشتغل عليه حاليا وزارتا الخارجية والداخلية الإسبانية بشكل دبلوماسي، لإقناع دول الجوار بإعادة مهاجريها، وتشديد المراقبة على حدودها.
وكشفت تقارير صحافية إسبانية، أن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، والمنظمة الدولية للهجرة، بعثتا إلى أرخبيل الخالدات مجموعة من عناصرهما لتقديم المساعدة الإنسانية للمهاجرين غير الشرعيين، من خلال توفير الغذاء، والمستلزمات الطبية.
ويتابع إعلام الجارة الشمالية للمغرب هذه الموجة الجديدة بتقارير صحافية يومية وقفت عندها بيان اليوم، تخبر بعدد المهاجرين الذين وصلوا إلى سواحل الجزر الإسبانية، إما أحياء أو أمواتا.
وذكرت مواقع محلية بجزر الكناري نقلا عن أجهزة الطوارئ المحلية، أنه تم يوم 25 نونبر الماضي انتشال 8 جثث لمهاجرين غير شرعيين بعدما غرقوا في المحيط الأطلسي، قبالة قرية “أورسولا” شمال جزيرة “لانزاروت” في وقت متأخر من الليل.
لقاء عاجل
ويشكل انفجار الهجرة السرية بجزر الكناري، باعتبارها بوابة جديدة لولوج دول الاتحاد الأوروبي، مصدر إزعاج للحكومة الإسبانية التي قرر رئيسها بيدرو سانشيز زيارة المغرب بشكل مستعجل رفقة وزرائه.
وبحسب وكالة الأنباء الإسبانية “إيفي” (EFE) فإنه من المتوقع أن يزور بيدرو سانشيز الرباط خلال 17 شتنبر الجاري، للقاء رئيس الحكومة المغربية سعد الدين العثماني وباقي الوزراء، واضعا على رأس أجندته ملف الهجرة غير الشرعية من المدن الجنوبية للمغرب نحو جزر الكناري.
وسيناقش الطرفان مجموعة من المواضيع المشتركة، خلال القمة الثنائية 12 بين المغرب وإسبانيا، والتي لم يتم تنظيمها منذ خمس سنوات، بعد احتضان مدريد للقمة 11 بتاريخ 5 يونيو 2015، برئاسة رئيسي حكومتي المغرب وإسبانيا وقتها، عبد الإله ابن كيران وماريانو راخوي.
وسيعقد الوفد الإسباني سلسلة من الاجتماعات القطاعية مع نظيره المغربي لبحث التعاون الثنائي في مختلف المجالات، لاسيما في قطاعات العدالة والتجهيز والصناعة والسياحة والتجارة والبيئة، ناهيك عن ملف الهجرة الذي يعتبر موضوعا حارقا ومستعجلا في حقيبة الحكومة الإسبانية.
وتأتي هذه القمة الثنائية عقب إجراء سانشيز لمكالمة هاتفية مع العثماني، ناقشا فيها مجموعة من المواضيع المشتركة، إلى جانب الحديث عن الترتيبات التي تهم الاجتماع الموسع بين مسؤولي الدولتين، والذي دأبت الرباط ومدريد على تنظيمه بشكل تناوبي منذ سنة 1993.
وتندرج هذه القمة الثنائية المشتركة والموسعة، في إطار سلسلة من اللقاءات المتتالية بين المسؤولين المغاربة والإسبان، آخرها كانت زيارة وزير الداخلية الإسباني فرناندو غراندي مارلاسكا الذي التقى وزير الداخلية المغربي عبد الوافي لفتيت، بتاريخ 20 نونبر الماضي.
وحلق فرناندو غراندي مارلاسكا نحو المغرب لإقناع الرباط بضرورة التعاون المشترك لمحاربة الهجرة غير النظامية قبالة جزر الكناري، علاوة على استئناف عمليات ترحيل المهاجرين غير القانونيين بعدما توقفت منذ بداية 2020 بسبب أزمة وباء كورونا.
وقال مارلاسكا عقب لقائه مع لفتيت إن مباحثاته مع وزير الداخلية المغربي تركزت حول قضايا الأمن ومكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة والهجرة غير القانونية، خصوصا نحو جزر الكناري.
وشدد وزير الداخلية الإسباني أنه لا يمكن ترحيل المهاجرين الذين يصلون إلى جزر الكناري نحو أوروبا، موضحا أن مكافحة الهجرة غير النظامية تقتضي تفادي أخذ هذا المسار غير القانوني، ومن ثم يراهن على إقناع المغرب بإرجاع مهاجريه.
وأشاد المسؤول الإسباني بالتنسيق المتميز مع المغرب، مشيرا إلى أهمية نهج سياسة مندمجة بين الجارين في المجال الأمني تتضمن تبادل المعلومات وحماية الفئات الهشة، ومكافحة المنظمات الإجرامية، وشبكات تهريب البشر.
اتهامات للمغرب
من جانبه، اتهم رئيس جزر الكناري أنطونيو موراليس المغرب بابتزاز إسبانيا، والضغط عليها من خلال السماح لقوارب الهجرة غير الشرعية بالانطلاق من الأقاليم الجنوبية، مطالبا بترحيل جميع المهاجرين في إطار مبدأ التضامن.
وذهب أنطونيو موراليس إلى القول بأن المغرب يتساهل مع شبكات الهجرة من أجل إغراق جزر الكناري بالمهاجرين غير الشرعيين، في إطار الضغط على إسبانيا من أجل التسريع بإجراءات ترسيم الحدود البحرية، للاستفادة من الموارد المعدنية الموجودة بالمنطقة من قبيل التيريليوم والكوبالت.
واعتبر موراليس في مقال له بعنوان “الهجرة وابتزز المغرب” (Inmigración y chantaje marroquí) نشره خلال 22 نونبر الماضي، أن الحكومة الإسبانية تتعامل بشكل سلبي مع الملف، حاثا إياها على ضرورة مناقشة تفاقم الهجرة غير الشرعية مع المغرب.
وفي سياق متصل، احتج النائب البرلماني عن حزب فوكس بـ”لاس بالماس” ألبرتو رودريغيز، على الحكومة الإسبانية، داعيا إياها إلى توقيف حركة الهجرة غير المشروعة نحو أرخبيل الكناري.
ودعا ألبرتو رودريغيز إلى ترحيل المهاجرين من الجزر الإسبانية عوض السماح لهم بالإقامة في الفنادق والخيم، والتأشير لتنقلهم نحو دولة إسبانيا، ومن ثم الدخول لباقي دول الاتحاد الأوروبي.
وفي ظل مثل هذه التصريحات المتشنجة من قبل المسؤولين الإسبان، يرفض المغرب أن يلعب دور الدركي لحراسة حدوده مع دول الاتحاد الأوروبي، خصوصا وأن شبكات الهجرة السرية تناور من كل الأماكن البحرية والبرية، وهو ما يصعب مراقبته في ظل محدودية الموارد البشرية واللوجيستيكية، بحسب مصادر جريدة بيان اليوم من داخل وزارة الداخلية.
وفي سياق متصل، زارت وزيرة الخارجية الإسبانية أرانشا غونزاليز لايا، خلال 20 نونبر المنصرم دكار، لإقناع حكومة السنغال، بمقترح إعادة المهاجرين غير الشرعيين الذين وصلوا إلى جزر الكناري عبر المحيط الأطلسي.
وبحسب ما نشرته الصحافة السنغالية، فإن الحكومة السنغالية أبدت موافقتها على ترحيل بعض المهاجرين الذين لا يتوفرون على وثائق الإقامة، خصوصا في صفوف الذين وصلوا في الأشهر والأيام الأخيرة من السنة الجارية 2020 إلى أراضي الجزر الإسبانية.
وصرحت أرانشا غونزاليز لايا، أن الذي دفع بمدريد إلى تحريك آلتها الدبلوماسية لإقناع الدول الإفريقية بقرار ترحيل المهاجرين غير النظاميين، هو تداعيات وباء كورونا على الاقتصاد الإسباني والأوروبي ككل.
وأكدت غونزاليز لايا على أن الاقتصاد الأوروبي لم يعد قادرا على احتواء الأعداد الكبيرة للمهاجرين غير النظاميين، وبالتالي تدعو حكومات الدول الإفريقية إلى تحمل العبء بشكل مشترك لمعالجة الظاهرة.
***
حنان السرغيني*: فتح المجال لشبكات الهجرة سيجر المغرب إلى متاهات الوضع الليبي
< كيف تحللين انتقال ظاهرة الهجرة غير الشرعية نحو إسبانيا من شمال المغرب إلى جنوبه؟
> أولا، يعزى هذا التحول إلى مرونة عمليات التهريب والبحث عن منافذ بديلة. جرت العادة أن تنظم شبكات الهجرة غير الشرعية رحلات العبور من مدن شمال المغرب باتجاه السواحل الجنوبية لأوروبا. غير أن الحراسة المشددة على طول الحدود الشمالية في السنوات الأخيرة وزيادة شدتها في ظل الحجر الصحي الذي أملاه انتشار كورونا هذا العام، ضيق الخناق على عصابات تهريب البشر، وزاد في وتيرة اللجوء إلى معابر أخرى سواء عبر البحر المتوسط أو المحيط الأطلسي للوصول إلى دول الاتحاد الأوروبي. من هذا المنطلق غدت مدينة الداخلة جنوب المغرب ذات أهمية متزايدة باعتمادها بوابة بحرية بديلة عن مدن الشمال للإبحار نحو جزر الكناري الإسبانية.
ثانيا، يشكل المغرب بالنسبة للمهاجرين الأفارقة نقطة عبور محورية نحو أوروبا أكثر من أي موقع آخر على الضفة الجنوبية للبحر المتوسط. وعلى الرغم من تبنيه سياسة خاصة تساعد على اندماجهم في المجتمع المغربي حيث يمكنهم الحصول على بطاقة الإقامة، إلا أن أغلبهم لا يتخلون عن الحلم الأوروبي ويحرصون على المغامرة وركوب الموج نحو الضفة الأخرى.
ثالثا، توصلت ضمن خلاصات أبحاثي الأكاديمية إلى أن هؤلاء المهاجرين الأفارقة لا يشكلون تهديدا للأمن المغربي مقارنة مع الشبكات التي تقوم بتهريب البشر بطرق غير قانونية، وهذا أمر يصعب بطبيعة الحال مراقبته وضبطه بشكل دقيق.
وتبقى شبكات الهجرة دائمة البحث عن منافذ للوصول إلى سواحل أوروبا، وهو ما لا يتماشى مع السياسة المغربية في مجال الهجرة واللجوء التي تنبني على الاندماج. وكلما وجدت مجالا للمراوغة وتجسير منافذ جديدة عبر البحر، سينال ذلك من سياسة المغرب الخاصة بالحد من الهجرة وتعاونه مع دول الاتحاد الأوروبي، مما قد ينذر بإمكانية مجاراة أزمة المهاجرين في الحالة الليبية.
واستنادا إلى أبحاث شبكات الجمعيات المهتمة بالمهاجرين بالمغرب، يصعب معرفة هويات المهاجرين الأفارقة، نظرا لعدم توفرهم على وثائق رسمية لمعطياتهم الشخصية، إما لأنها سرقت، أو حرقت، أو تم التخلص منها، لتجنب المتابعة القانونية، وتفادي مساطر إعادتهم إلى نقطة الانطلاق في أوطانهم الأصلية.
< يتهم رئيس جزر الكناري المغرب بابتزاز إسبانيا بملف الهجرة، ما هي خلفيات هذا التصريح؟
> لا يتحمل المغرب مسؤولية الوضع الحالي، لأن موقعه الجغرافي وعلاقاته الاستراتيجية مع الدول الإفريقية تفرض عليه استقبال هؤلاء المهاجرين الذين يدخلون إما عبر المجال الجوي أو الحدود البرية أي من الأراضي الجزائرية والموريتانية، على أساس إتمام الطريق نحو البلدان الأوروبية.
وبمجرد وصولهم إلى النقاط الحدودية البحرية والبرية (مليلية وسبتة المحتلتين) مع أوروبا، تعمل السلطات المغربية على ترحيلهم منها وإبعادهم نحو مدن أخرى بموجب التزام المغرب بالاتفاقيات الموقعة مع الاتحاد الأوروبي بهذا الخصوص.
وتنبغي الإشارة أيضا إلى أن المغرب والاتحاد الأوروبي أصبحا يتحملان مسؤولية ملف الهجرة بشكل متساو. ويرفض المغرب تحمل الضغوط التي يسقطها هذا الملف المعقد. ومن ثمة، فإن الحديث عن اتفاق رابح-رابح، أصبح في الظرفية الحالية من قبيل رومانسية الماضي.
< إذن من حق المغرب أن يفاوض بشأن ملف الهجرة؟
> يتمتع المغرب بمجموعة من الاعتبارات السيادية والقانونية في تجسيد سياسته في مجال الهجرة وتنظيمه وفق قواعد وأعراف متعارف عليها دوليا. فكل دولة في العالم تسن قوانينها وتوقع معاهداتها الدولية بما يتناسب مع وضعها وإمكانياتها وتحدياتها الميدانية. كما أن ديناميات الهجرة عبر الحدود المائية والبرية دائمة التطور عند تدفق كل موجة جديدة للمهاجرين، الذين تعتبرهم أوروبا تهديدا لها، وبالتالي تحدد مقاييس متجددة من أجل تأمين حدودها وتشديد المراقبة عليها بتوقيع اتفاقيات مع الدول الإفريقية.
جدير بالذكر، أن المغرب يضع شروطه أثناء كل عملية تفاوض ثنائي، من قبيل ضرورة الرفع من معدل منح تأشيرات دخول المغاربة إلى أوروبا، إما لغرض السياحة، أو التطبيب، أو إتمام الدراسة بالنسبة للطلاب، فضلا عن إبرام عقود عمل للشباب المغربي. هذا الصنف الأخير من الهجرة لا يرقى في نظري إلى معضلة ما يوصف بهجرة الأدمغة، لأن المغرب يتوفر على ما يكفي من الكفاءات البشرية، وهي من يشكل مصدر قوته.
علاقة المغرب مع الهجرة علاقة مركبة ومتداخلة الأضلاع، إذ يعد مصدرا أيضا للمهاجرين غير الشرعيين، بإقدام العديد من الشباب والأطفال القاصرين على الهجرة، نظرا لتأزم الوضعية المعيشية المزمنة وتعثر السياسات العامة خصوصا في مجال التعليم، والصحة، والشغل، وهو ما يدفعهم إلى البحث عن شبكات للهجرة نحو الخارج.
هو حلم الهجرة إلى أوروبا يراود عقول وقلوب المغاربة عبر الأجيال منذ عقود عدة، مما يدفع بالعديد إلى المجازفة بمغامرة الهجرة غير الشرعية بعد الفشل في تجربة الذهاب بشكل قانوني، وهذا الأمر يعد مشكلا حقيقيا بكل تأكيد.
مناسبة هذا الحديث هو أن موجات الهجرة نحو أوروبا ليست لها علاقة مع أزمة فيروس كورونا فحسب، بل لها أيضا امتداد طويل في الزمن، غير أن تفشي هذا الوباء ومضاعفاته الاقتصادية سيرخي بظلاله على الأوضاع الاجتماعية للشباب المغربي الذي يحتمي بحلم الهجرة فيما تسوء أحواله المادية باتجاه المستقبل.
< من المرتقب أن تستضيف الرباط في 17 دجنبر الجاري قمة ثنائية بين الحكومة الإسبانية والمغربية، تضع مدريد ملف الهجرة على رأس أجندتها، كيف تتوقعين تعامل المغرب مع الملف؟
> يظل ملف الهجرة موضوعا حيويا يؤكد مركزيته الاستراتيجية ليس في أي لقاء ثنائي بين المغرب وإسبانيا فحسب بل وأيضا في بقية صيغ التفاعل والتنسيق المغربي الأوروبي. لقاء هذا الشهر سيكون ضمن الاجتماعات الدورية التي تنظمها الرباط ومدريد بشكل منتظم، ولا يمكن ربطها مباشرة بما يقع حاليا في جزر الكناري، وما تتحدث عنه الصحافة فيه الكثير من المبالغة.
من المرتقب أن يعيد كل بلد التذكير بأولوياته وشروطه الخاصة في هذا اللقاء، ولا يقبل المغرب أي خطوة لا تخدم مصالحه الاستراتيجية. وعلى غرار الدورات السابقة، ستتم إدارة الحوار بشكل عادي، والحكومة الإسبانية على وعي بذلك، وقد سبق لها وأن طالبت الاتحاد الأوروبي بالإفراج عن الجزء الثاني من الدعم المخصص للمغرب في ملف الهجرة.
ويحق للمغرب أن يتمسك بشروطه إزاء ما يريده الاتحاد الأوروبي، وهذا أمر منطقي في العلاقات الدولية. ولا يمكن اتهام المغرب بابتزاز أي طرف في ملف الهجرة، لأنه دولة عبور واستقرار في الآن ذاته، ولا يعتبره المهاجرون الأفارقة بلدا أجنبيا، بل بلدهم الثاني، طالما أن جلهم ينتقل إليه دون تأشيرة.
الملاحظ أن الاتحاد الأوروبي يعيد مراجعة أولوياته إلى حد التملص من تحمل المسؤولية برفضه استقبال المهاجرين الذين يعتبرهم تهديدا لأمنه الداخلي، وقوة ضغط على سوق الشغل، وإضافة غير محبذة في النمو الديمغرافي، وهذه اعتبارات توحي للدول الأوروبية بضرورة الضغط على الفرامل أو الكوابح من أجل الحد من نزوحهم نحو أراضيها بشتى الطرق.
وهذا ما يفسر رغبة الاتحاد الأوروبي في الجلوس إلى طاولة المفاوضات مع المغرب لمطالبته بالحد من حركة المهاجرين، وتقييد حريتهم. وبالنظر إلى تكريس الجانب الأوروبي منطلق الواقعية السياسية وخدمة المصالح الاستراتيجية، يحق للمغرب كذلك أن يفرض شروطه في المقابل خدمة لمصالحه ضمن إطار ما هو متعارف عليه في سير العلاقات الدولية.
< يشكل ترحيل المهاجرين المغاربة من أوروبا بمن فيهم الأطفال القاصرين مطلبا لدول الاتحاد، كيف يقبل المغرب بذلك؟
> ثمة مفارقة قانونية ومعنوية تظل قائمة منذ عقود. فالقانون الدولي والاتفاقيات الثنائية بين الدول الأوروبية تحظر ترحيل القاصرين. بيد أن قضية هؤلاء القاصرين لم تكن موضوع الاتفاقيات التي وقعها المغرب مع إسبانيا وفرنسا، وألمانيا، وإيطاليا، وهولندا منذ التسعينيات.
ولترحيل المهاجرين القاصرين، يتم التفاوض مع المسؤولين المغاربة أثناء اللقاءات، بغية القبول بطرح ترحيلهم. ويستجيب المغرب لهذه الطلبات، لكن مقابل شروط تقنية وسياسية يضعها في وجه الأوروبيين.
واستنادا إلى مضامين الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل، تلتزم الدول التي تستقبل المهاجرين القاصرين بأن توفر لهم شروط الرعاية، والتعليم، والصحة، وليس مجرد التنسيق لإرجاعهم مع دولهم، وهو ما تسعى إليه بروكسيل حاليا من خلال محاولة إقناع الدول الإفريقية، مثل موريتانيا والسنغال، بترحيل القاصرين إليها.
ووفق ما يتوفر لدي من معطيات، تريد الدول الأوروبية أن يقبل المغرب بعودة حوالي 5 آلاف طفل قاصر من دول الاتحاد الأوروبي، حسب إحصائيات الجمعيات الناشطة في مجال الهجرة غير الشرعية، بتنسيق مع سلطات الدول الأوروبية والمغربية.
ويجب التنبيه إلى أن المغرب يقبل ترحيل مواطنيه لا غير، بعد التعرف على أصلهم من خلال وثائق إثبات الهوية، أو خلال جلسات مطولة بالنسبة لمن يرفض العودة إلى بلاده.
* عضو الجمعية المغربية للدراسات والأبحاث حول الهجرة/ باحثة في مركز الدراسات والأبحاث في العلوم الاجتماعية بالرباط
إنجاز : يوسف الخيدر- تصوير: أحمد عقيل مكاو