مليكة مالك تغادرنا في ليلة العيد

فنن العفاني
خطفت يد المنون الإعلامية مليكة مالك، مساء أول أمس الاثنين، ليلة الثامن من مارس الذي يخلد لليوم العالمي للمرأة. الرحيل جاء بعد صراع مع المرض الذي لم يمهلها كثيرا، لتغيب تاركة مسارا إعلاميا حافلا، حيث كانت من بين الإعلاميات الأوائل اللواتي أسسن لتجربة جديدة في العمل التلفزي والإعلامي، من خلال برامج حوارية مباشرة، وذلك بشهادة الراحل المفكر عابد الجابري، الذي قال بشأنها في أحد مؤلفاته “إنها تدشن ببرامجها لمرحلة جديدة في العمل التلفزي والإعلامي”.
رحلت والرحيل الأبدي جد قاس ومؤلم، خاصة حينما يتعلق بشخوص بصموا وبصمن إيجابا مسارات في هذا الوطن، ومليكة مالك من هذه الطينة، فقد بصمت الإعلام الوطني بتألقها في إعداد وتقديم برامج حوارية مباشرة: “وجه وحدث”، وبعده “في الواجهة”، التي استضافت فيها العديد من الوجوه الثقافية والفكرية والسياسية من مختلف الأطياف، وفاعلات وفاعلين من داخل المجتمع المدني الذي كان حينها قد بدأ يفرض وجوده في الساحة الوطنية. وكم يبدو قاسيا الموت حينما يخطف روحا رفرفت بتألقها على مجالات مليئة بالأسئلة، فلم تخل حلقات برنامجها من أسئلة تحمل هموم الساحة السياسية والثقافية، ومنها تلك التي تخص أساسا المسار الديمقراطي بالمغرب، خلال حقبة انطلق فيها هذا المسار من جديد، حيث ساءلت فيه الفعل السياسي وآفاقه، والفعل الثقافي ودوره.
حينما تحاول أن تستنطق أناسا اقتربوا منها وعاشوا معها تجربة الفعل الإعلامي، لن تجد أفضل من الذين جمعتهم بها نفس الدار ونفس المطمح. الصحفي عبد الرحيم تافنوت يعد واحدا من الإعلاميين الذين جمعتهم مع الراحلة مسارات العمل داخل القناة الثانية. تافنوت قال في اتصال هاتفي أجرته معه جريدة بيان اليوم، إن “مليكة مالك كانت من أهم الصحفيات المغربيات البارزات، فقد قادت أهم البرامج الحوارية المباشرة، منذ انطلاق القناة الثانية، كفضاء آخر للحوار، مختلف عن الفضاء التلفزي الرسمي القديم”.
وأكد المتحدث أن الراحلة لم تكن تحمل اسم إعلامية بمعناه البسيط الذي يرتبط فقط بإنجاز عمل ما، بل كانت من المناضلات في الحقل الإعلامي الدؤوبات على التركيز على القيم والمدافعات عن الحرية، “إذ كانت تعتبر أنه  بدون حرية لا يمكن أن يكون عمل إعلامي يستحق هذا الاسم”. وأردف مضيفا أن مليكة مالك كانت فوق ذلك من الوجوه البارزة في الدفاع عن قضايا المرأة، والقدر شاء أن اختارت يد المنون خطفها عشية تخليد ذكرى الثامن من مارس”.
ولم يفت تافنوت أن يؤكد على قيمة التفاني والانغماس بشكل كامل في مهنتها، التي كانت تمتلكها مليكة، وامتلاكها أيضا الجرأة لتضع السؤال الحارق، فقد استضافت عبد الرحمان اليوسفي، وعلي يعته، ونبير الأموي، وعددا من الفاعلين من جميع الانتماءات سواء من اليسار أو اليمين، وكانت بحق علامة بارزة في الحقل الإعلامي الذي بادلها بالجفاء، يقول تافنوت، مضيفا “إن الوفاة أحيانا ناقوس يدق فوق رؤوسنا حتى لا ننسى شخوصا ساهموا في بناء الصرح الإعلامي المغربي، وكم نحن في حاجة إلى مثلهن في هذا الوقت”، كما يقول بغصة.
ومن جانبه، أفاد جمال بوزفور، أحد أطر القناة الثانية الذي واكب الراحلة خلال مسارها المهني بالقناة، أن “كل الزملاء الذين اقتربوا منها، عايشوا لحظات توفق التميز في درجة إتقانها للحرفة والجهد الذي كانت تبذله، من أجل إعداد جيد لبرامجها، فقد كانت تؤمن أن التعب والتفاني في العمل يولد النجاح”.
وأضاف أن مليكة مالك لا يمكن اختزالها في جبة الإعلامية، فهي بقدر ما تألقت إعلاميا، تألقت في علاقاتها الإنسانية، فقد كانت تبادل زملاءها قيم الاحترام والتقدير. وأضاف أنه على المستوى المهني أدارت ملاك أهم البرامج الحوارية المباشرة، بعد فاطمة لوكيلي، مشيرا أن برامجها “لم تكن حوارية جامدة تلوك لغة الخشب، بل كانت برامج تفاعلية، استشرافية لما سيحمله المسار الديمقراطي وطنيا، بل وكانت طلائعية”.
يشار إلى أن مليكة مالك التي خطفتها يد المنون القاسية، قسوة لا توازيها سوى فترة اقتلاعها من القناة الثانية ودفن برنامجها الحواري السياسي الناجح الذي كانت تقدمه، اختارت قبل أكثر من سنة إصدار أول كتاب لها جمعت فيه نخبة من الحوارات التي أجرتها في برامجها الحوارية، بالنظر للحمولة التي كانت تمثلها تلك الحوارات التي أجرتها الراحلة مع أهل الثقافة والفكر السياسة والفن والإعلام. فالتسجيلات قد تبقى أرشيفا لدى القناة، لكن إتاحتها للعموم، يجعلها بمثابة مادة تؤرخ لمرحلة تاريخية من الفعل الإعلامي الوطني، كما تؤرخ للواقع السياسي آنذاك، ولتؤكد أن الفاعل الإعلامي يبقى منغمسا ومتابعا أبديا للأحداث ولو أنه غادر المهنة نحو آفاق أخرى أكثر رحابة ربما.
الرحمة للراحلة مليكة مالك.

Related posts

Top