مناقشات وتحاليل عميقة وجدية في اجتماع اللجنة المركزية للتقدم والاشتراكية أفضت إلى اتخاذ قرارات بالإجماع وبكل استقلالية

صادقت اللجنة المركزية لحزب التقدم والاشتراكية، التي انعقدت أول أمس الأحد بسلا، في ختام أشغالها، بالإجماع على مقرر تنظيمي أعلن الحزب بموجبه عن قرار المشاركة في الحكومة الجديدة وفوض للديوان السياسي مواصلة المشاورات المرتبطة بذلك طبقا لمقتضيات القانون الأساسي للحزب.
وقبل بلورة هذا الموقف الذي كان متوقعا، حسب العديد من المراقبين والمتتبعين للشأن السياسي الوطني، شهد برلمان الحزب نقاشا صريحا وموضوعيا للتطورات التي عرفها المشهد السياسي ببلادنا قبل وأثناء وبعد انتخابات السابع من أكتوبر والتي أفرزت واقعا جديدا يتميز باحتلال حزب العدالة والتنمية الذي قاد التجربة الحكومية المنتهية ولايتها موقع الصدارة، في الوقت الذي فشل فيه الحزب الذي سعى إلى بسط هيمنته على المشهد الحزبي ببلادنا في احتلال الرتبة الأولى.
وهكذا فقد ركزت أغلب المداخلات والتي قاربت ال 80 تدخلا، في سياق تحليلها لطبيعة المرحلة السياسية التي تمر منها بلادنا، بارتباط مع سياقاتها الدولية والإقليمية، على التحديات الكبرى التي يتعين مجابهتها بشكل جماعي، وتفرض الانتصار للقيم الأساسية المرتبطة باستكمال بناء المشروع الديمقراطي الذي انخرطت فيه بلادنا منذ إقرار دستور 2011.
كما أبرزت مداخلات أعضاء اللجنة المركزية الحاجة إلى الاستمرار في التوجه الذي اختاره حزب التقدم والاشتراكية منذ تأسيسه والمتمثل في النضال من أجل بناء الدولة الوطنية الديمقراطية، في إطار فضاء سياسي يتعايش فيه الجميع ارتكازا على ممارسة سياسية نظيفة وسوية، مع التأكيد على المشروع المجتمعي التقدمي للحزب والقائم على العدالة الاجتماعية والمساواة والديمقراطية، وهو ما يفرض، وفق ما عبر عنه أغلب المتدخلين، الاصطفاف إلى جانب كل القوى المؤمنة بهذا المشروع، وبالتالي مواصلة مسار الإصلاح الذي انخرط فيه الحزب إلى جانب حلفائه، وطبعها ببصمته من خلال فريقه الوزاري على مجموعة من المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتنموية.
واعتبرت المداخلات التي ميزت الدورة السابعة للجنة المركزية والتي عرفت حضور 800 عضوة وعضوا واستمرت أشغالها إلى غاية الساعة السادسة مساء، من مساء الأحد، أن الموقع الطبيعي لحزب التقدم والاشتراكية هو المشاركة في الحكومة لمواصلة الإصلاح على قاعدة برنامج حكومي وميثاق سياسي وأخلاقي للأغلبية الحكومية المرتقبة.
في المقابل لم تغفل مداخلات أعضاء برلمان الحزب، الواقع التنظيمي للحزب والوقوف عند بعض الأسباب التي جعلته يحصل على تلك النتائج الانتخابية والتي لم ترق إلى مستوى طموحه وأيضا لم تعبر عن الوزن الحقيقي لحزب التقدم والاشتراكية، دعا جل المتدخلين إلى ضرورة تخصيص دورة أخرى للجنة المركزية من أجل الوقوف بشكل عميق على تلك الأسباب وتحييد الموضوعي منها على الذاتي، وإعمال النقد والنقد الذاتي على قاعدة ربط المسؤولية بالمحاسبة في مختلف مستوياتها التنظيمية المختلفة سواء تعلق الأمر بأعضاء اللجنة المركزية أو الأمانة العامة أو المكتب السياسي أو المسؤولين على المستوى الجهوي والإقليمي والمحلي، أو المنظمات الموازية، أو القطاعات السوسيو مهنية، من أجل استخلاص العبر والدروس.
وفي السياق ذاته أجمع أعضاء اللجنة المركزية على ضرورة إعمال مبدأ الانضباط الحزبي على قاعدة التعبير عن الاختلاف داخل الأجهزة والهياكل الحزبية بشكل مسؤول يحترم الرأي والرأي الآخر وينضبط للقرار الأخير الذي تبلوره الأغلبية بشكل ديمقراطي، دون السعي إلى البطولية المصطنعة مقابل التشهير بالحزب وبمناضليه من خلال اختلاق أكاذيب والافتراء على الحقيقة ونشر ذلك في مواقع التواصل الاجتماعي وعلى أعمدة بعض المواقع المناوئة وتصوير ذلك على أنه الحقيقة.
وفي رد على ما نشره أربعة أعضاء باللجنة المركزية في أحد المواقع الإليكترونية من ادعاءات لا أساس لها من الصحة، قررت اللجنة المركزية إحالة كل ما نشر من طرف هؤلاء على لجنة المراقبة السياسية والتحكيم من أجل ترتيب المتعين طبقا لمقتضيات القانون الأساسي للحزب الذي تنطبق مقتضياته على جميع أعضائه دون استثناء أو تمييز.
وكان الأمين العام للحزب محمد نبيل بنعبد الله قد ساق في معرض الخلاصات التي قدمها في اختتام أشغال الدورة، مجموعة من المعطيات الأساسية التي طبعت المشهد السياسي الوطني خلال الفترة الأخيرة، تفرض في نظره على جميع مناضلات ومناضلي الحزب الكثير من الحكمة والتعلق بالحزب والتشبث بمواقفه وبخطه السياسي والدفاع عنه وتغليب المقاربة الحزبية على كل الاعتبارات.
وأبرز الأمين العام ما تعرض له حزب التقدم والاشتراكية طيلة الخمس سنوات من ضغوطات بلغت دروتها قبيل الانتخابات التشريعية، فقط لأن الحزب بقي ملتزما بخطه السياسي الواضح وعبر عن رفضه أن يصبح آلية لمناهضة المشروع الديمقراطي، مقابل انخراطه في التوجه الذي تأسس من أجله الحزب وهو الدفاع عن المشروع المجتمعي الحداثي والتقدمي القائم على الديمقراطية والعدالة الاجتماعية ودولة القانون والمؤسسات في أفق البناء الاشتراكي.
وقال بنعبد الله في السياق ذاته مخاطبا أعضاء اللجنة المركزية، وفي إشارة إلى ما يعتمر المشهد الحزبي المغربي «ّإذا أردتم أن يذهب الأمين العام لحزبكم ليتنظر ثلاث ساعات أو يزيد من أجل أن يقابله أمين عام حزب آخر، فلن يكون لكم ذلك، وإلا فابحثوا لكم عن أمين عام آخر» مؤكدا على أن حزب التقدم والاشتراكية لن يقبل بذلك كحزب تقدمي أصيل ذي سيادة وهوية، وكحزب يحرص على احترام الجميع وعلى استقلالية قراره.
 يشار إلى أن الدورة السابعة للجنة المركزية التي ترأسها عضو السياسي رشيد روكبان تميزت بحضور البرلمانيين والبرلمانيات الفائزين في استحقاق السابع من أكتوبر الجاري وكذا وكلاء اللوائح الذين لم يحالفهم الحظ لأسباب موضوعية مرتبطة ببعض الممارسات المشينة والمخلة بمقتضيات القانون وبمقتضيات التنافس السياسي الشريف.
وقد خيم مقتل الشاب محسن فكري على أشغال الدورة السابعة للجنة المركزية لحزب التقدم والاشتراكية، والتي طالبت بإجراء تحقيق نزيه وشفاف وترتيب الجزاء على كل من ثبت تورطه في هذه الجريمة البشعة التي اهتز لها كل المغاربة.
محمد حجيوي 

Related posts

Top