دخلت منظمة الصحة العالمية في “هستيريا” بعد أن فشلت كل حلولها ومحاولاتها المضنية في مواجهة أكبر خطر صحي يتهدد العالم منذ عقود طويلة، فلم يبق بالنسبة إليها إلا الاستسلام للأمر الواقع بعد أن أطلقت صفارات الإنذار معلنة عدم قدرتها على استكمال نشاطها في ظل الظروف، التي أدت إلى إصابة عشر سكان كوكب الأرض بمرض كورونا.
ورغم نجاح منظمة الصحة العالمية طيلة عقود في استثمار المليارات من الدولارات لبناء منظومة صحية متطورة، كانت كفيلة بتقديم مساعدات، أقل ما يقال عنها مقبولة، للدول التي تواجه أزمات، إلا أن الواقع الحالي يؤكد أن تلك الصورة التي طالما تباهت بها تعاني من أمراض متراكمة.
وأجبرت الصراعات بين أعضاء المنظمة، وخاصة الولايات المتحدة والصين وروسيا، بعد تفشي فايروس كورونا المستجد المدير العام لهذا الكيان الأممي غيبريسوس أدهانوم غيبريسوس إلى مطالبة المجتمع الدولي بإدخال إصلاحات هيكلية عاجلة من أجل إنقاذ البشرية من كوفيد – 19 الذي أصاب عشر سكان العالم.
ويفترض أن تناقش الدول الأعضاء وعددها 194 الإصلاحات في نوفمبر المقبل، كما ستبحث في عواقب انسحاب الولايات المتحدة، أكبر جهة مانحة للمنظمة من ميزانية سنوية تقدر بنحو 5 مليارات دولار. وقد قالت روسيا “إنها مسألة تثير قلقنا كثيرا”، فيما أعلنت النمسا أنها متخوفة من أن يؤدي ذلك إلى “إضعاف” المنظمة الأممية، التي تأسست في عام 1948.
ولم تتمكن حالة التذمر بين المواطنين في معظم دول العالم وانتقادات وسائل الإعلام لدور السلطات في حل الأزمة من تحقيق أي نتيجة تذكر منذ تفشي الفايروس، ولا تزال الدول تكابد من خلال الإجراءات الاحترازية التي طبقتها.
وأظهر غيبريسوس لدى افتتاح جلسة استثنائية للمجلس التنفيذي للمنظمة حول التعامل مع الوباء مدى العجز الذي بات عليه هذا الكيان “العليل”، لكنه حمل الولايات المتحدة المسؤولية عن تدهور أوضاعها ودافع بقوة عن العمل الذي أنجزته المنظمة التي يتهمها الرئيس الأميركي دونالد ترامب بعدم الكفاءة في إدارتها للجائحة التي تسببت في وفاة أكثر من مليون شخص.
وحتى الآن أصيب بالفايروس قرابة 780 مليون نسمة من عدد سكان الأرض، وفق مدير قسم الطوارئ في المنظمة مايكل راين، وهو ما يعني أضعاف الأرقام المعلنة رسميا والبالغة حوالي 35.3 مليون شخص، الأمر الذي جعل المراقبين يعتقدون أن ذلك لا يخرج عن نطاق عاملين أساسيين، الأول إما أن الحكومات لا تعلن صراحة عن الأرقام الرسمية وإما أنها تبدو عاجزة بالفعل عن إحصاء عدد المصابين والوفيات أيضا.
ودافع غيبريسوس عن الإصلاح الذي طبقه في السنوات الثلاث الماضية داخل منظمة اتهمت بالتقليل من فداحة أزمة إيبولا في غرب أفريقيا بين نهاية 2013 و2016، لكنه دعا إلى إصلاح أسرع لكي يكون أكثر فعالية. وقال وهو يضع كمامة “لسنا على الطريق الخاطئ لكن علينا تسريع الوتيرة فالجائحة إشارة إنذار إلينا جميعا وعلينا أن ننظر في أعماق أنفسنا ونتساءل عما يمكننا فعله بشكل أفضل”.
وتحاول المنظمة الأممية دعم التجارب التي تجريها العديد من المختبرات من أجل التوصل إلى لقاح فعّال ضد المرض متجاهلة بذلك الأزمة التي تمر بها بعد الضربة الأميركية.
وتضغط دول أوروبية عدة إلى جانب الولايات المتحدة من أجل إجراء إصلاحات شاملة داخل المنظمة التي تهزها أزمة عاصفة بعد تعليق الولايات المتحدة لمساهمتها المالية فيها بسبب ما اعتبرته انحيازا للمنظمة الأممية مع الصين.
وقد خرجت الدول الأوروبية في يونيو الماضي، من ترددها حيال الوضعية التي تشهدها المنظمة، واصطفت خلف واشنطن، حيث يجري إعداد استراتيجيات تستهدف ضمان استقلالية المنظمة الأممية، ما يعني إنهاء التغلغل الصيني داخلها بعد ما استشعر الأوروبيون خطر ذلك من خلال الإنذارات الأميركية.
وتجلى ذلك المنحى حينما كشف أكثر من مسؤول أوروبي كبير في قطاع الصحة أن حكومات أوروبية تعكف مع الولايات المتحدة على دراسة خطط لإصلاح منظمة الصحة، كما أشاروا إلى أن لديهم بعض بواعث القلق التي دفعت واشنطن إلى إعلان عزمها على الانسحاب من المنظمة.
وتدور نقاشات حول مبادرات لم يعلن عنها بعد، تشمل بريطانيا وألمانيا وإيطاليا حيث تبحث مع الولايات المتحدة على المستوى الفني إدخال إصلاحات على المنظمة. وفي الأسابيع الماضية أطلقت دول عديدة اقتراحات لإصلاحها على نحو مستدام على غرار الولايات المتحدة والثنائي الفرنسي – الألماني.
ووجهت الولايات المتحدة اتهامات بخذلان المنظمة في أوج أزمة كوفيد – 19 التي أودت بحياة الآلآف حتى اليوم، ولكن واشنطن دافعت عن نفسها بتحميل بكين مسؤولية ذلك من خلال إخفاء حقيقة تفشي المرض ومتهمة منظمة الصحة العالمية بالتستر على أفعال الصين.
وكانت منظمة الصحة قد دقت ناقوس الخطر حول تفشي جائحة كورونا في العالم منذ نهاية يناير الماضي، وتتعرض مذاك لانتقادات خصوصا من الولايات المتحدة للتأخر في إعلان حالة الطوارئ في حين أن الصين أبلغت عن وجود الفايروس في نهاية ديسمبر الماضي.
وقد انتقدت المنظمة بحجة أن توصياتها جاءت متأخرة أو متناقضة خصوصا حول وضع الكمامات أو طرق انتقال العدوى. في حين أشار آخرون إلى أن المنظمة تفتقر إلى موازنة مناسبة وإلى استقلالية في مواقفها حيال الدول.