قلل ناشطون حقوقيون مؤيدون للحركة الاحتجاجية في إيران أول أمس الإثنين من أهمية إعلان صادر عن السلطات الإيرانية حول إلغاء جهاز شرطة الأخلاق المثير للجدل، مشددين على أن أي تغيير لم يطرأ فعليا على القيود المشددة التي تفرضها الجمهورية الإسلامية على النساء.
من جهة أخرى، تم التداول على وسائل التواصل الاجتماعي بدعوات لتنفيذ إضراب مدته ثلاثة أيام، بعد أكثر من شهرين على اندلاع موجة الاضطرابات التي أثارتها وفاة الإيرانية الكردية مهسا أميني (22 عاما) بعد توقيفها من جانب شرطة الأخلاق في طهران بحجة عدم التزامها بقواعد اللباس الإسلامي.
وأثارت وفاتها احتجاجات تحولت إلى أكبر تحد يواجهه النظام منذ الثورة الإسلامية عام 1979.
وفي تصريح مفاجئ نهاية الأسبوع، قال المدعي العام الإيراني محمد جعفر منتظري إنه تم إلغاء شرطة الأخلاق. لكن ناشطين شككوا في تصريحاته التي جاءت في إطار رد على سؤال طرح عليه خلال مؤتمر صحافي. وقال منتظري “تم إلغاء شرطة الأخلاق من جانب الذين أوجدوها”.
وتتبع شرطة الأخلاق لوزارة الداخلية، لا لوزارة العدل. وأنشأها في العام 2006 المجلس الثقافي للثورة الإسلامية الذي كان يرأسه الرئيس الإيراني آنذاك محمود أحمدي نجاد. ولم يصدر أي تصريح حتى الآن عن الموضوع عن المجلس الذي يرأسه اليوم الرئيس إبراهيم رئيسي.
واعتبر المعارضون والمحللون أنه، حتى إن ألغيت الشرطة، فلن تمثل الخطوة أي تغيير في سياسة إيران بشأن الحجاب إنما ستكون مجرد تكتيك في مواجهة الاحتجاجات المتواصلة. ويعتبر الحجاب ركيزة أساسية في نظام إيران.
في التعليقات الخارجية، قالت متحدثة باسم وزارة الخارجية الألمانية إن “الإيرانيين والإيرانيات ينزلون إلى الشارع للدفاع عن حقوقهم الأساسية. يريدون العيش بحرية واستقلالية، وهذا الإجراء في حال تطبيقه لن يغير هذا الأمر إطلاقا”.
وقالت المؤسسة المشاركة لمركز عبد الرحمن بوروماند لحقوق الإنسان ومقره الولايات المتحدة رؤيا بوروماند لفرانس برس إن إلغاء وحدات شرطة الأخلاق سيشكل خطوة “ضئيلة جدا ومتأخرة جدا على الأرجح” بالنسبة للمحتجين الذين باتوا يطالبون بتغيير النظام بأكمله.
وأضافت “ما لم يرفعوا جميع القيود القانونية على لباس النساء والقوانين التي تتحكم بحياة المواطنين الخاصة، فلا تنصب هذه الخطوة إلا في إطار العلاقات العامة”، مضيفة أن “لا شيء يمنع (أجهزة) إنفاذ القانون الأخرى” من مراقبة تطبيق “القوانين التمييزية”.
وكان مشهد دوريات شرطة الأخلاق مألوفا في شوارع طهران منذ العام 2006 عندما أدخلت في عهد الرئيس المحافظ المتشدد حينذاك أحمدي نجاد. لكن فرض الحجاب بدأ قبل ذلك بكثير.
في عهد آخر شاه هو محمد رضا بهلوي، كانت للنساء حرية اختيار ما يرتدينه، إذ كان نمط اللباس في مناطق طهران العلمانية يشبه إلى حد كبير الأزياء الغربية. وذهب والده رضا شاه قبله أبعد من ذلك فأصدر مرسوما حظر فيه الحجاب بكافة أشكاله.
وكان الغضب بشأن الحجاب الإلزامي هو ما أطلق شرارة أولى الاحتجاجات على وفاة أميني التي ذكرت عائلتها بأنها قضت نتيجة ضربة على الرأس تعرضت لها أثناء احتجازها، وهو أمر نفته السلطات.
لكن الحراك الذي تغذيه أيضا سنوات من الغضب المرتبط بالوضع الاقتصادي والقمع السياسي، بات يشمل حاليا دعوات لإسقاط نظام الجمهورية الإسلامية بزعامة المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي.
وتفيد التقارير الواردة من طهران بأن دوريات شرطة الأخلاق اختفت تقريبا من الشوارع منذ اندلاع الاحتجاجات. بينما تشاهد أكثر فأكثر نساء في الشارع من دون أي منديل على رؤوسهن.
وتواصل السلطات التصدي للمحتجين في إطار حملة قمع أودت بحياة 448 شخصا على الأقل، بحسب مركز حقوق الإنسان في إيران ومقره النروج.
ويقول المحلل البارز المتخصص في شؤون إيران لدى منظمة “الديموقراطية الآن للعالم العربي” أوميد ميماريان إن “الإلغاء المفترض لشرطة الأخلاق الإيرانية لا معنى له إذ أنه بات غير ذي صلة بالفعل بسبب المستوى الهائل للعصيان المدني الذي تقوم به النساء وتحدي القواعد المرتبطة بالحجاب”.
ووصف الحجاب الإلزامي بأنه “أحد ركائز الجمهورية الإسلامية”، ولفت إلى أن “إلغاء هذه القوانين والهيكليات سيعني تغييرا جوهريا في هوية ووجود الجمهورية الإسلامية”.
واعتبر إعلان منتظري والإرباك الذي أثارته تصريحاته مؤشرا على الاضطراب في صفوف النظام بشأن كيفية التعامل مع الاحتجاجات المتواصلة في أنحاء البلاد.
وبدا الإرباك واضحا أول أمس الإثنين، مع تناول الصحف الإصلاحية الموضوع في صفحاتها الأولى، بينما تجاهلتها وسائل الإعلام المحافظة.
وعنونت صحيفة “سازانديجي” “نهاية شرطة الأخلاق”. لكن صحيفة “شرق” بدت مشككة أكثر وتساءلت “هل هذه نهاية الدوريات؟”، مشيرة إلى أن قسم العلاقات العامة التابع للشرطة لم يؤكد الأمر.
ويقول ميماريان “يجب ألا تنطوي على أحد الخطوات المخادعة التي توظفها الجمهورية الإسلامية في أوقات اليأس، إذ إنها قد تعود بسياسات وإجراءات أخرى مقيدة”.
ويذكر الباحث في مجموعة “العدالة من أجل إيران” في لندن شادي صدر أن الحجاب “ما زال إلزاميا”. ويرى إلى أنه بينما بدأت الاحتجاجات على خلفية وفاة أميني، إلا أن “الإيرانيين لن يهدأوا إلى حين رحيل النظام”.