نبيل بنعبدالله يؤكد أن الحكومة لا تريد اتخاذ قرارات تضر بالأوساط واللوبيات المالية والاقتصادية

وصف محمد نبيل بنعبد الله، الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، خطاب رئيس الحكومة عزيز أخنوش أمام البرلمان ب”الخطاب التبريري”، معتبرا الأجوبة التي طرحها بخصوص الأوضاع الصعبة التي تعيشها بلادنا، لا تشفي الغليل، مما يدل، في نظره، “على أننا أمام حكومة ضعيفة”.
وأوضح نبيل بنعبد الله، في كلمة له خلال ندوة نظمها حزب التقدم والاشتراكية، بتنسيق مع جمعية “ضمير”، مساء يوم الخميس الماضي بالرباط، حول موضوع :” الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية على ضوء التقلبات الدولية والسياسات الحكومية” (أوضح) أن حزبه لا ينفي أن هناك ظروف عالمية صعبة، نتيجة مخلفات جائحة كوفيد 19، والحرب الروسية الأوكرانية ومخلفاتها وغيرها من التقلبات التي تعرفها الأسواق الدولية، بالإضافة إلى الأوضاع الداخلية على المستوى الاقتصادي والاجتماعي، لكن، في نظر الأمين العام، لا يمكن الاكتفاء بمقاربة تبريرية، والاستماع فقط إلى مجموعة من الأجوبة التي لا تشفي الغليل، والتي تدل، بحسبه، على أن هناك حاجة ماسة إلى جسم سياسي قوي قادر على أن يواجه التحديات.
وقال الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية “إن الخطاب الذي استمعنا إليه من قبل رئيس الحكومة في البرلمان، أقل ما يقال عنه أنه جاء بمقاربة تبريرية، دون الإعلان عن أي قرار ولو في الأفق، بالنسبة لأهم التحديات المطروحة، في ظل هذه الوضعية الصعبة، وفي ظل ما نحياه اليوم بالنسبة للوضعية الاقتصادية، بغض النظر على ما يحدث على المستوى الدولي”، مشيرا إلى أن دول كثيرة هي الأخرى تعاني من مخلفات هذه الأوضاع، وليس المغرب وحده من يعاني، لكن الفرق، يضيف المتحدث، هو أن تلك الدول لديها حكومات قوية تتخذ قرارات، وتضع إمكانيات من أجل مواجهة هذه الأوضاع.
وأكد نبيل بنعبد الله، على أن هناك حاجة ماسة إلى رجة قوية، وإلى تحريك جميع الضمائر والقوى الحية في المجتمع، في أفق فرز حكومة سياسية قوية يستحقها المغاربة، مشيرا إلى أن هذه الحكومة تتوفر على جميع الإمكانيات للقيام بوظائفها، بدء بأغلبية واسعة، لكن مع الأسف، يتبين أكثر فأكثر، أنها حكومة غارقة في خدمة مجموعة من الأوساط واللوبيات المالية والاقتصادية ولا تريد اتخاذ قرارات لأنها تضر تلك اللوبيات، كما أنها، يضيف المتحدث، حكومة غارقة في تضارب المصالح، ولا يمكن الاستمرار في هذه الوضعية التي جعلت شركات المواد النفطية تجني أرباحا بعشرات الملايين من الدراهم، والتي من المتوقع أن تتضاعف خلال السنة الجارية، دون أن يكون لهذه الحكومة الجرأة في التدخل واتخاذ القرارات المناسبة، علما يقول بنعبد الله “أن هناك قرارات يمكن اتخاذها، من خلال الآلة الضريبية، المعتمدة على هذا المستوى، من أجل التقليل من الأرباح الخيالية لهذه الشركات كما فعلت بعض الدول كفرنسا واسبانيا، في الوقت الذي لم تحرك فيه الحكومة ساكنا ووقفت موقف المتفرج الغير معني بهذه الأوضاع”.
وفي السياق ذاته، وصف الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، هذه الحكومة ب”الضعيفة” والغير قادرة على اتخاذ قرارات مناسبة، مذكرا بالوضعية التي توجد عليها محطة التصفية “لاسامير” وهي الوضعية التي قال عنها “إنها غير مقبولة” في ظل عدم قدرة الحكومة على إعادة تشغيلها، مذكرا بالنداءات التي أطلقها حزبه، عبر بلاغات مكتبه السياسي أو فريقه البرلماني، والتي تؤكد، كلها، على أن هناك حاجة لحكومة قادرة على مواجهة هذه الأوضاع وقادرة على تغليب المصلحة الوطنية، وليس على مراعاة مجموعة من المصالح الفئوية، خاصة عندما يتعلق الأمر بفئات محظوظة، مشيرا إلى أنه، من خلال ضعف هذه الحكومة يتبين أن لا تنمية بدون ديمقراطية، وبدون ساحة سياسة قوية، وبدون ثقة في مؤسسات قوية.
بدوره، ذكر صلاح الوديع رئيس جمعية “ضمير”، على أن هذا اللقاء يأتي في ظل وضعية حرجة تعيشها بلادنا، وأن جمعية “ضمير” نبهت إلى ذلك في تقريرها الأخير، وأكدت على أن هناك حاجة إلى سياسة حقيقية تستحضر العناصر التاريخية والاقتصادية، والمالية والثقافية واللوجيستيكية، وهي السياسة التي تمثل في نظره، الشعوب والمجتمعات المتحضرة.
وأضاف صلاح الوديع، أن جمعية “ضمير” تعتبر النقاش العمومي الجاد الذي يقبل بالرأي والرأي الأخر، مسألة أساسية، وتشارك فيه باستمرار، مشيرا إلى أن الموضوع الحقيقي المطروح اليوم، وبإلحاح، هو موضوع الثقة في العمل المؤسساتي والعمل السياسي، وهو الموضوع الذي يتم إغفاله، بحسب صلاح الوديع، الذي أكد على أن تعبئة المجتمع المدني من أجل البناء الديمقراطي ومن أجل ممارسة السياسة في بعدها النبيل، يفرض بالضرورة عنصر الثقة، كمحدد رئيسي في كل هذه المسارات.
وشدد رئيس جمعية “ضمير”، خلال هذه الندوة التي أدارها، الزميل نجيب العمراني، رئيس تحرير جريدة البيان، (شدد) على أن مناقشة القضايا التي تؤرق المجتمع اليوم، في ظل ظروف عالمية وجهوية مقلقة وحساسة، تزيد من الحاجة إلى عنصر الثقة التي بدونها لا يمكن مواجهة التحديات المطروحة.
من جانبه، انتقد محمد بنموسى، العضو السابق في اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي، نائب رئيس جمعية “ضمير”، تعاطي حكومة عزيز أخنوش مع مخرجات النموذج التنموي الجديد، معربا عن أسفه لكون “عمل الحكومة في واد والنموذج التنموي في واد آخر”، مشيرا إلى أن جل الإصلاحات التي جاء بها النموذج التنموي مفقودة في البرنامج الحكومي، باستثناء المشاريع التي تحظى بالمتابعة المباشرة من المؤسسة الملكية، على غرار مشروع الحماية الاجتماعية ومشروع إصلاح منظومة التربية الوطنية.
وأضاف محمد بنموسى، أن موضوع هذه الندوة المتعلق بالوضعية الاقتصادية والاجتماعية المغربية، يستدعي استحضار بعض المعطيات السياقية، على المستوى الوطني والدولي، مشيرا إلى أنه على المستوى الوطني، نعيش في ظل حكومة، جاءت بعد حكومة ذات طابع إسلامي، دامت عشر سنوات، مؤكدا أنه في هذه الفترة التي جاءت بعد دستور 2011 كان هناك نوع من التعايش بين الحقلين المؤسساتي والسياسي، وهو التعايش الذي كان له، في نظر المتحدث، تأثير سلبي على وتيرة التنمية في المغرب.
جانب آخر من هذه السياقات التي تحدث عنها بنموسى، هي ما جاء في خطاب جلالة الملك محمد السادس سنة 2017 الذي أكد على محدودية النموذج التنموي الحالي الذي استنفذ مهامه، ووصل إلى النفق المسدود، وأن هناك حاجة إلى بلورة نموذج تنموي جديد، وهو ما تمت بلورته انطلاقا من مقاربة تشاركية، بذكاء جماعي لكل المغاربة وكل الفاعلين السياسيين والنقابيين وجمعيات المجتمع المدني وكل الخبراء ومكاتب الدراسات، وأن الصياغة النهائية لهذا النموذج التنموي الجديد قام بها مغاربة من أجل المغاربة، انطلاقا من فلسفة تقوم على أن الهدف المنشود من وراءه هو تحرير الطاقات وإعادة واستعادة الثقة.

وذكر نائب رئيس جمعية “ضمير”، أن من بين الآليات التي اقترحتها لجنة النموذج التنموي من أجل تفعيل مخرجاته، هو أن ما جاء به النموذج لابد أن يطبق بحذافيره، لأن المغاربة سئموا من التقارير التي تبقى فقط حبرا على ورق، وأن الشرط الوحيد الذي طرحه المغاربة خلال جلسات الإنصات إليهم، هو تطبيق مخرجات النموذج التنموي، ومن ثمة يضيف المتحدث، اقترحت اللجنة ميثاق وطني للتنمية، ينخرط فيه جميع الفرقاء، ووضع آليات للتتبع والتحفيز.
ويرى بنموسى أن النتائج التي أفرزتها استحقاقات الثامن من شتنبر والمتمثلة في حكومة لها مشروعية صناديق الاقتراع، أمر مهم وأساسي، لكن النموذج التنموي أيضا له مشروعيته، وبالتالي، فالمشكل المتحدث يكمن في وجود نوع من التنافر أو التناقض بين هاتين المشروعيتين، وهو ما لا يخدم المصلحة العليا للبلاد، مشيرا إلى أن حكومة عزيز أخنوش إذا بقيت على نفس النهج ستضيع حوالي 475 مليار درهم من خلق ثروة الاقتصاد الوطني في مدة خمسة سنوات.
وأضاف العضو السابق في اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي أن طموحات الحكومة تبقى ضعيفة، وأنه إذا ما تفحصنا طموحها من أجل تقليص الفوارق، سنجد أنفسنا في مستوى ما كان عليه الوضع في ثمانيات القرن الماضي، مشيرا إلى أن هناك العديد من التدابير المفقودة في البرنامج الحكومي مثل إعادة توزيع المداخيل والثروات”، مضيفا أن هناك فقط تدابير ضريبية جد رمزية ليس لها أي تأثير لعلاج الخلل، إذ أن هناك 50 ألف مقاولة مغربية لا تعلن عن أرباحها، وأن 10 شركات فقط هي التي تساهم في 25 في المائة في الضريبة، و1 في المائة من المقاولات هي التي تساهم في الضريبة”.
وقال بنموسى إن أهداف وطموحات البرنامج الحكومي جد متواضعة وضعيفة وفيها تناقضات كبيرة، متهما الحكومة ببيع الوهم للمغاربة، مشيرا إلى أن هناك حاجة إلى إصلاحات جوهرية من شأنها أن تعيد الثقة، من قبيل تفكيك اقتصاد الريع ومحاربة التحكم في الاقتصاد وتخليق الحياة السياسية، والإصلاح الضريبي بالإضافة إلى إعادة النظر في وظيفة ومهمة بنك المغرب، ونقل اختصاصه من تفويض أحادي إلى تفويض مزدوج.
وتطرق لحسن أولحاج عضو المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، لمجموعة من المعطيات والأرقام حول الوضعية الاقتصادية، مشددا في هذا الصدد على أنه لا يمكن الحديث عن وضعية الاقتصاد الوطني دون استحضار أزمة كوفيد-19 وتبعاتها الاقتصادية والاجتماعية، مبرزا في هذا السياق، أن هناك تراجعا على مستوى الناتج الداخلي الخام، يمس كل دول العالم بما فيها المغرب.
وذكر أولحاج أن الأزمات تعد فرصة لمعالجة مجموعة من الأوضاع، وهو ما حرص المغرب على القيام به من خلال مراجعة اتفاقية التبادل الحر مع تركيا، ومواصلة المشاريع الكبرى، خصوصا مخطط التسريع الصناعي الذي كان قد بدأه قبل الأزمة، وإطلاق ورش تعميم التغطية الاجتماعية.
من جانبه، أكد عبد السلام الصديقي، عضو الديوان السياسي لحزب التقدم والاشتراكية، والوزير السابق، أن المغرب في ظل الحكومة الحالية يعرف مجموعة من الإخفاقات على المستوى الاقتصادي، والاجتماعي، وأن هناك فشل، وصفه بالذريع” في كسب رهان التنمية الصناعية التي كان حفيظ العلمي قبل سنوات يعد بها، ويقول إنها ستساهم في رفع الناتج الداخلي الخام من 13 في المائة إلى 20 في المائة.
وفي نظر عبد السلام الصديقي فإن الأرقام الرسمية بشأن النمو وبشأن البطالة وغيرها في المغرب لا تعكس حقيقة الأوضاع، مشيرا إلى ضرورة التركيز على جودة النمو، وإعادة توزيعه، وليس على نسبة النمو التي لا تعني في نظره شيئا ولا نجد لها تأثير في الواقع المعاش لأن الأساسي هو طريقة توزيع هذا النمو ومن استفاد منه وعدالة التوزيع، داعيا إلى ضرورة وضع الإنسان في صلب النموذج التنموي.
وقال عبد السلام الصديقي إن “هذه الحكومة لا تؤمن بالتغيير” وتكتفي بترديد الشعارات عن الدولة الاجتماعية، مشيرا إلى أنها غير قادرة على تنزيل ما جاء في تقرير النموذج التنموي الجديد، وغير قادرة على ضمان السيادة في الطاقة ولا في الأمن الغذائي، مشدد على أن مفهوم السيادة صار اليوم يفرض نفسه على جميع البلدان، لاسيما ضمان السيادة الصحية للبلاد، والسيادة الغذائية والصناعية والمائية وغيرها.
وذكر الصديقي بالمتغيرات التي يعرفها العالم كالحرب الأوكرانية الروسية، والتي يتوقع أن تستمر طويلا وقد تكون الها عواقب وخيمة في حال انهزام بوتين الذي قد يلجأ إلى استعمال الأسوأ، مما سيؤثر على اقتصاديات العالم بالنظر إلى موقع أوكرانيا ضمن سلة الغذاء العالمي، بالإضافة إلى التغيرات المناخية التي تظهر بالنسبة للمغرب بشكل حاد مع توالي سنوات الجفاف التي صارت تتكرر مرة كل سنتين، مؤكدا أن هذه التغيرات ستزداد حدتها أكثر في السنوات المقبلة بالنظر إلى أن الدول الموقعة على اتفاق باريس للمناخ لم تف بالتزاماتها.
وتنبأ عبد السلام الصديقي باحتمال وقوع مجاعة كبرى في إفريقيا جنوب الصحراء، مشيرا إلى أن توقعات الخبراء تشيرا إلى أن الملايين قد يموتون جراء هذه المجاعة، كما ستدفع إلى تدفق ملايين الأشخاص إلى النزوح حيث سيكون المغرب على الخصوص مهددا بموجة الهجرة الإفريقية باعتباره بوابة نحو القارة الأوربية. مؤكدا على أن الدول والمجتمعات التي تقل فيها الفوارق الاجتماعية هي القادرة على الصمود أمام كل الأزمات.

< محمد حجيوي
< تصوير: رضوان موسى

Related posts

Top