حكايات عديدة نسجت في كل مراحل التاريخ عن طبيعة المرأة الفيزيولوجية والبيولوجية واعتبار هذه «الطبيعة» محددا لتدني مكانتها في المجتمع قياسا بموقع الرجل فيه. وقد كان حيفا كبيرا في العديد من مراحل التاريخ البشري أن يُزج بالمرأة، فقط لأنها امرأة، في الدرك الأسفل من المجتمع. لقد كانت المرأة وما تزال ضحية الذهنية الذكورية التي تجعل منها كائنا لا يستقيم إلا بتبعيتها للرجل وموالاتها له، ولهذا، فالأدوار الأساسية والمناصب ذات الحساسية في أي مجتمع كانت وما تزال تسند، في عمومها، إلى الرجل ولا يُلتفت إلى المرأة حتى ولو كانت كفاءتها وأهليتها العلمية تؤهلها لتحمل المسؤولية والوصول إلى مراكز القرار السياسي إسوة بالرجل. من قلب هذه المعاناة التاريخية للمرأة، جراء إقصائها الظالم، يظهر بين الحين والآخر الاستثناء الذي معه تتبوأ المرأة مناصب عليا قد تكون بالغة الحساسية في بعض الأحيان، كما تبرهن على ندّيتها للرجل، وتدحض بذلك كل «الحجج» أو الادعاءات التي تتدرع بها عقلية الذكورة من أجل تثبيت دونيتها. وإنصافا للمرأة من ظلم التاريخ، نورد في ما يلي نماذج من هؤلاء اللواتي كسرن ادعاءات الرجل بشأنهن، بوصولهن لمناصب النخبة والقرارات السياسية في بلدانهن.
يجاواتي أول سيدة تتقلد منصب رئاسة أندونيسا
هي أول سيدة تتقلد منصب رئاسة أندونيسا بين 23 يوليو 2001 وحتى 20 أكتوبر 2004 خلفا لعبد الرحمن وحيد، وهي ابنة أحمد سوكارنو أول رئيس لإندونيسيا، وكان لديها شعبية كبيرة في الأوساط الفقيرة.
ولدت في يوگياكرتا في 23 يناير عام 1947 كثاني طفل، وأول ابنة للرئيس سوكارنو. “ميگاواتي” في اللغة السنسكريتية تعني “صاحبة الغيمة”، و”سوكارنوپوتري”بالبهاسا تعني” ابنة سوكارنو”. والدتها فاطمة واتي كانت إحدى تسع زوجات تزوجهن سوكارنو، في 1970 توفي زوجها الأول في تحطم طائرة في إيريان جايا.
في 1972 تزوجت من الدبلوماسي المصري جمال حسن أحمد حسن، ثم انفصلا في نفس السنة. في 1973 تزوجت توفيق كيماس، وأنجبا 3 أبناء.
تبوأت ميجاواتي منصب نائب رئيس إندونيسيا بعد سنوات عاشتها في ظل تاريخ والدها، سوكارنو، أول رئيس لإندونيسيا. واسمها، ميجاواتي سوكارنو بوتري، يعني ميجاواتي ابنة سوكارنو. وهو دليل على ما يعطيها نسبها لأبيها من مكانة سياسية ورمزية. وفي الواقع فإن سمعة أبيها الراحل، كقائد له شخصية آسرة، هي التي سمحت لها بالوصول إلى صفوف النخبة السياسية في بلادها
أحمد سوكارنو: سمعته فتحت
أمام ابنته عالم السياسة
حكم والدها، أحمد سوكارنو، البلاد منذ 1949 وحتى أُطيح به عام 1967 على يد الجنرال سوهارتو. دخلت ميجاواتي عالم السياسة عام 1987، وهي في الأربعين من عمرها عندما أصبحت نائبة في البرلمان الإندونيسي. وكانت قبل ذلك ربة منزل تقليدية لم تكمل تعليمها الجامعي
وفي عام 1993 تمكنت من ارتقاء أعلى منصب في “حزب إندونيسيا الديمقراطي”، وكان في ذلك الوقت أحد ثلاثة أحزاب فقط مسموح لها بالعمل في إندونيسيا. ويمتد تاريخ “حزب إندونيسيا الديمقراطي” إلى العشرينيات من هذا القرن، عندما أسسه أحمد سوكارنو كحزب وطني
انقلاب داخل الحزب
لكن شعبية ميجاواتي المتزايدة دفعت الرئيس سوهارتو إلى تدبير انقلاب عليها داخل حزبها عام 1996. وتمكن أنصار سوهارتو في الحزب من إقصاء ميجاواتي وانتخاب “سورجادي” وهو أحد قيادات الحزب الموالية لسوهارتو
انقلاب الحزب زادها شعبية
غير أن المؤامرة، وما لحقها من اقتحام قوات الجيش مقار الحزب في جاكرتا لإخلائها من المعتصمين من أنصار ميجاواتي، أتت بنتائج عكسية، وانتهت بأن تحولت ميجاواتي إلى زعيمة للمعارضة في مواجهة حكم سوهارتو، وحصلت على اعتراف دولي واسع النطاق
إضافة إلى أن تلك الأحداث أدت إلى نيلها تعاطف مؤيدي “حزب إندونيسيا الديمقراطي”، وتزعمت ميجاواتي فصيلا داخل الحزب أسمته: “حزب إندونيسيا الديمقراطي-النضال” في مواجهة من تبقى من كوادر الحزب الأصلي، الذين طواهم النسيان.
وبالرغم من تلك المكانة كرمز للمعارضة، فقد شاركت ميجاواتي بشكل محدود للغاية في الحركة الشعبية التي أدت إلى الإطاحة بالرئيس سوهارتو في مايو عام 1998، الأمر الذي جعل البعض يشكك في قدراتها القيادية
سياسية بالوراثة أكثر من الخبرة
بيد أن حزب ميجاواتي تمكن من الحصول على 34% من المقاعد في البرلمان خلال الانتخابات التي جرت في يونيو. وهي الانتخابات التي خاضتها بالتنسيق مع “حزب النهضة القومي” ذي الاتجاه الإسلامي والذي يتزعمه الرئيس الحالي عبد الرحمن واحد. ومن هنا اعتبر مؤيدوها أن وصولها إلى منصب الرئاسة بات أمرا محسوما.
وتوقع المحللون حدوث اضطرابات شعبية إذا لم تفز ميجاواتي بتأييد معظم نواب “جمعية الشعب الاستشارية” وعددهم سبعمائة، وهي الجمعية المنوط بها انتخاب الرئيس ونائبه.
خلال الفترة الفاصلة بين الانتخابات البرلمانية والانتخابات الرئاسية، انتقدت ميجاواتي بشدة قرار الرئيس بحر الدين يوسف حبيبي، الذي خلف سوهارتو، بالسماح بإجراء استفتاء في إقليم تيمور الشرقية على الاستقلال من عدمه. كما أيدت اتخاذ موقف متشدد من حركة الانفصال في إقليم آتشيه.
الأميرة الصامتة
لكن فيما يتعلق بالقضايا الأخرى، خاصة المشكلة الاقتصادية التي تعانيها إندونيسيا، يبدو أن ميجاواتي ترفض الخوض في الحديث فيها علنا، مما يعزز شكوك من يدعي بأنها ينقصها الخبرة اللازمة.
فيما يتعلق بالسياسة الخارجية، ورغم أن كونها امرأة تمارس السياسة في دولة إسلامية يعطيها ميزة كبيرة في العلاقات الخارجية، فإن موقفها الرافض لاستقلال تيمور الشرقية أثر سلبا على اتصالاتها باستراليا الجارة اللدود. وأثر سلبا على علاقاتها بالعالم الإسلامي والعربي، تأييدها العلني لإقامة علاقات مع إسرائيل.
إعداد: سعيد أيت اومزيد