يحدث للقارئ في كثير من الأحيان أن لا يجد الرغبة في إتمام قراءة نص ما (مقال، قصة، رواية..)، يشعر بالضجر بمجرد الشروع في قراءة السطور الأولى، إن لم نقل الجملة الأولى، ويفضل الانتقال إلى قراءة نص آخر أو الانشغال بشيء لا يمت بصلة إلى القراءة، ما دام أن ما هو متاح من نصوص لا يخلق تلك المتعة المحفزة على الاستمرار في قراءتها حتى النهاية.
صحيح أن للقراءة شروطها وظروفها الخاصة التي قد لا يكون للنص دخل في عدم خلق الدافع للاستمرار في قراءته، يمكن أن يكون النص المعروض للقراءة ذا قيمة معرفية وجمالية وباعث على الاطلاع عليه من بدايته إلى نهايته، غير أن شيئا ما قد يحول دون القدرة على مواصلة قراءته. المزاج يمكن أن يكون عاملا من بين عوامل أخرى، وقد يكون هو السبب الرئيسي في العزوف عن القراءة.
هناك مزاج خاص للقراءة، كل قارئ يسعى إلى أن يكون مزاجه مكيفا مع نوع القراءة التي يختارها، قراءة قصة ليس كما هو الحال قراءة مقال علمي أو نص فلسفي أو غير ذلك من المجالات، أحيانا تكون اللغة هي الأخرى لها دخل في تكييف المزاج مع ما نقرأه بصرف النظر عن طبيعة هذا المقروء، تحضرني شهادة لأحد الأدباء المغاربة، لا يحضرني اسمه، يقول إنه اعتاد أن يقرأ باللغة العربية ليلا، في حين أنه يكرس وقت النهار للقراءة بالفرنسية وبغيرها من اللغات الأجنبية.
لكن ما الذي يجعل نصا ما غير قادر على خلق ذلك النوع من التحفيز على الشروع في قراءته، أو بالأحرى الاستمرار في قراءته من بدايته إلى نهايته؟
الكاتب في هذه الحالة لا شك أنه أنتج ذلك النص؛ بدون أن يشعر هو ذاته بالمتعة، على اعتبار أننا لا يمكن أن نمتع الآخر بشيء ما، ونحن أنفسنا لا نتمتع بذلك الشيء نفسه.
الغرض من الكتابة هو تقاسم ليس فقط المعرفة بل كذلك المتعة، خصوصا عندما بتعلق الأمر بنص إبداعي أو مقال أدبي أو أي شيء من هذا القبيل.
غير أن هناك أزمة أخرى لا يمكن غض الطرف عنها، وهي المتعلقة بالعزوف عن القراءة بصفة نهائية، سواء كنا أمام نص تتوفر فيه كافة عناصر المتعة والمعرفة أم لا.
في المقابل هناك إقبال على الاطلاع على الرسائل القصيرة التي تتخلق من رحم التكنولوجية الرقمية، إلى جانب طبعا الصور والفيديوهات وما إلى ذلك.
كل هذه الإكراهات والتحديات التي يفرضها واقعنا المعاصر، لا ينبغي أن يدفع الكاتب الحقيقي والأديب الحقيقي والمفكر الحقيقي إلى أن يشبك يديه ويكف عن الإنتاج حتى لو لم يبق في الوجود أي قارئ على الإطلاق.
عبد العالي بركات