لامس نقاد وكتاب ورجال أدب وروائيون من بلدان مختلفة، يوم الجمعة الماضي، في ندوة احتضنها مركز الحسن الثاني للملتقيات الدولية بأصيلة، ضمن ملتقى الرواية العربية في إطار فعاليات موسم أصيلة الثقافي الدولي، ماهية الرواية العربية في علاقتها بالخطاب البصري وتطور العلاقة الثنائية بين الشكلين الإبداعيين.
وأكد المتدخلون خلال مناقشتهم محور “الرواية العربية في علاقتها بالخطاب البصري”، في إطار الدورة الرابعة والأربعين لموسم أصيلة والدورة السابعة والثلاثين لجامعة المعتمد بن عباد المفتوحة، أن العلاقة “الجدلية” بين الشكلين التعبيرين جديدة، لكنها عرفت في العقود الأخيرة تطورا ملموسا ومضطردا يعكس الاهتمام الكبير للمبدعين بشكل خاص وللمجتمع المثقف بشكل عام بمختلف أشكال التعبير، التي لا حدود إبداعية لها. التفاصيل..
الرواية لصيقة بالكثير من الأشكال التعبيرية الفنية
قال محمد بن عيسى، أمين عام مؤسسة منتدى أصيلة، في افتتاح أشغال هذه الندوة، إن الملتقى يهتم بالرواية لكونها تختزل الجزء الكبير من الإبداع الإنساني الذي يشد إليه الأنظار ويثير الاهتمام الكبير به من طرف الجميع، مضيفا أن الكثير من الروائيين اهتموا بما يعرف بـ “الكتابة الوصفية” في السنين الأخيرة على مستوى المغرب والعالم العربي، التي تركز على العين والملاحظة والتشخيص والوصف، ما يجعل الرواية لصيقة بالكثير من الأشكال التعبيرية الفنية.
لا يوجد نص روائي لا يشمل الجانب البصري
واعتبر الناقد والأكاديمي المغربي شرف الدين ماجدولين، مسير هذه الندوة في جلستها الأولى، أن ما يربط الخطاب البصري بالتأليف الروائي حاليا، بالإضافة إلى راهنيته، أصبح نزوعا ناضجا، كما أصبحت الرواية مقرونة في العديد من التجارب الأدبية بـ “العين والتصوير والدقة في الوصف”، متسائلا في ذات الوقت إن كان نزوح الرواية للتصوير مجرد شغف أم موجة أم بدعة أدبية أم شيء طارئ في العالم العربي أم اختيار أدبي، في الوقت الذي قطع الخطاب البصري في علاقته بالرواية أشواطا في أوروبا.
وسجل الناقد شرف الدين ماجدولين، صدور ما يقارب 15 رواية بين هذه السنة والسنة الماضية كان أبطالها رسامون ومشهدها يمثل خلفية الفضاء داخل الرواية، متسائلا: هل هذا الهجوم طبيعي ومقبول وناضج؟ الخطاب يعود لأصل السؤال وهو أنه إذا تحدثنا بصيغة التمييز بين ثقافة العين والأذن بالرواية، نجدها مقرونة بالعين أي الفن البصري. وأوضح أنه لا يوجد نص روائي لا يشمل الجانب البصري، الذي يطمح ليكون له فيما بعد إنجازه اللفظي والمفردات والبلاغة أي ذلك الامتداد داخل فضاء التمسرح.
تجربة الفنون التشكيلية في المغرب حديثة
واعتبر الشاعر والروائي، ووزير الثقافة الأسبق، محمد الأشعري، أن تجربة الفنون التشكيلية في المغرب حديثة جدا، متسائلا عن كيفية كتابة الشعراء والقصاصين لنصوصهم سابقا قبل انفجار التجربة التشكيلية في حقلهم الثقافي.
وأضاف الأشعري متسائلا: “هل اللغة تتفاعل وتتأثر حسب تطورات النظام البصري المحيط بها، في ظل مستويات تلقي التجربة التشكيلية غير المتجانسة والتي لم تكن موضوع تفكير وتحليل إلا في لحظات قليلة، خاصة أن انفجار هاته التجربة التشكيلية تم في أرض خلاء في نظام بصري يخلو من تعبيرات، كان حاضرا في الزخرف والنسيج والحلي والوشم والكاليغرافيا وكانت له وشائج قوية مع اللغة من الناحية الشكلية”.
ولتوضيح فكرته أكثر، قال، “هو نظام بصري ظل مفتقرا لربط المنتوج البصري بالفرد، وارتكازه تاريخيا على سند اللاهوت الذي شكل فيه الاحتفاء بالمعبود بعدا أساسيا في تكوين هذا النظام، هي معادلة تساهم في فهم الصدمة التي مثلها الانتقال من نظام قديم لجديد ظل مستفزا في قضاياه كالحضور الخجول للنحت الكلاسيكي”.
وأضاف الروائي والشاعر محمد الأشعري، الذي خصص جزءا من إبداعه للحديث عن الفن التشكيلي ورواده المغاربة وتميز باعتماد الخطاب البصري، أن هناك وشائج صلبة بين الرواية والإبداعات الفنية الأخرى، رغم أن ارتباط الرواية بالتشكيل والنظام البصري المركب والأشكال الإبداعية الأخرى لازال إلى حد ما حديث العهد في المغرب.
كما رأى الأشعري أن الرمزية الخاصة للثقافة البصرية والإبداع التصويري في الأدب المغربي، على سبيل الذكر، لازالت تتشكل رغم أنها أخذت خطوات مهمة، وهو ما يبرز عند كثير من الروائيين المغاربة، مشيرا إلى أن علاقة التشكيل بالأدب “علاقة تفاعل وتكامل وتمازج”.
وأشار الأشعري إلى حدوث غليان في السبعينات والثمانينات حول علاقة التشكيل بالأدب، إذ تناسلت نصوص كثيرة اشترك فيها أدباء وفنانون تشكيليون خاصة في مجال الشعر، ونشطت جمعيات ومؤسسات ثقافية في تقديم التجربة وفق منظور نقدي يسائل علاقة ما تنتجه الحركة بجذورها الثقافية، لافتا إلى نشاط تجارب مثل تجربة المجلات الثقافية المتخصصة في التشكيل والتي كانت نادرة وقتها، مستدلا بتجربة مجلة “الإشارة” التي أنتجها الكتاب والتشكيليون لمد الجسور بين الكتابة الأدبية والتشكيل والتي كانت مؤثرة رغم أنها لم تنتج سوى 3 أعداد.
وأكد الأشعري أن الأثر البصري في الرواية لا يمكن قياسه بحضور العوالم التشكيلية بل بعلاقة التفاعل المباشر بين النصوص والتجارب والرواية والأعمال الفنية، مسجلا حدوث غليان فكري ونقدي ساد في الساحة الثقافية المغربية حول تجربة الكتابة والفن التشكيلي في السبعينات.
وجود تشابه كبير بين السينما والمسرح
أما الكاتب اللبناني رشيد الضعيف، الأستاذ بإحدى الجامعات الأمريكية، فاعتبر أن “ما من تفكير إلا وهو نمط سلوك، مثلا الخوف نمط سلوك والحب أيضا والذي ينعكس سلوكا فيما بعد”.
وأفاد الضعيف بوجود تشابه كبير بين السينما والمسرح، لكن بتسجيل فرق صغير صعب الانتصار عليه، وتحويل المسرح لسينما، في ظل تغير عدد من العناصر منها المكان وطريقة جلوس الناس والتمثيل وغيرها.
وشدد الضعيف على أن رواياته لا علاقة لها جميعها بالحرب، التي ابتعد عنها وانتقل في الفترة الأخيرة إلى عالم آخر وهو الميثولوجيا.
وأضاف الأستاذ رشيد الضعيف أن التصوير في الكتابة يساهم في تطور الكثير من الإبداعات الإنسانية، سواء أكانت مسرحا أو سينما أو فنا تشكيليا، كما أن التصوير الإبداعي يغني الرواية ويدفع القارئ إلى الانصهار أكثر في مضمون الكتابة الروائية، معتبرا أن التصوير الإبداعي أو ما يعرف بالخطاب البصري في علاقته بالرواية يتطور بسرعة، بل وأخذ منحى إلزاميا في الكتابة الروائية في أحيان كثيرة ويزيدها جمالا ويجعلها أكثر واقعية.
العلاقة بين الأدب الروائي والفنون البصرية هي حتمية ومتشعبة
ومن جهتها، أكدت أستاذة الدراسات السينمائية بجامعة أوتاوا، مي التلمساني، أن الخطاب التصويري في الرواية يضفي جمالية ورونقا أدبيا خاصا على السينما من الرواية ويعزز صلة الوصل الإبداعية بين الشكلين الإبداعيين اللذين يكملان بعضهما البعض دون أن يفقدا خصوصيتهما، رغم الفرق في تقنيات العمل والتعبير، مشددة على أن العلاقة بين الأدب الروائي والفنون البصرية هي “حتمية ومتشعبة، إلا أن علاقاتهما لا مجال فيها للتراتبية والأسبقية، إذ يمكن للرواية أن تسبق الإبداع السينمائي كما يمكن للإبداع السينمائي أن يسبق الرواية، والأمثلة كثيرة”.
وتحدثت التلمساني عن كيفية تأسيس العلاقة بين الوسائط الفنية في النقد بما يعطي الأسبقية للنقد الأدبي، والتي ينبغي تجاوزها لفهم عملية التلاقح بين الأدب والفنون من خلال أدوات تتقاطع فيها النصوص ضمن شبكة معقدة من الاحتمالات اللانهائية.
وأفادت التلمساني بوجود كتابات سعى أصحابها لربط طرفين أو أكثر وفق شبكة المعارف الأدبية والفنية، مشيرة إلى نقاد شغلهم مفهوم العلاقة في مجال الفلسفة والأدب المقارن، في إشارة إلى المنظر الأدبي الفلسطيني – الأميركي إدوارد سعيد والفيلسوف الفرنسي جيل دولوز والمنظرة الإفريقية كيمبرلي كرانشول.
وقالت التلمساني: “ما يهم هو عملية الوصل بين نقطتين بقدر من اللاتجانس والفوضى والتعدد والقطع الدال ومحاولات رسم الخرائط وهوس رفض النقد، الحركة هي التي تحل محل فكرة التناص في العلاقة الثنائية بين نصين أو أكثر، تلك الطريقة في التفكير تتجاوز تلك العلاقات الثنائية التراتبية”، معتبرة أن إدوارد سعيد مثلا يؤسس منهجا في الأدب المقارن، فمنهجيته في البحث الأكاديمي تأتي بمفهوم موسيقي يسمح باستخدام صيغ التعارض لفهم العلاقة بين الأعمال الأدبية وتحليلها.
المبدع يمتلك الرؤية العميقة للحياة ونضج في التعبير
وفي السياق ذاته، قال الروائي والأستاذ بجامعة روان، اليمني الأصل، حبيب عبد الرب سروري، إن حضور الخطاب التصوري في الرواية يعني أن المبدع يمتلك الرؤية العميقة للحياة ونضج في التعبير، وهو يغني التجربة الإنسانية الأدبية وملكات الإبداع، مبرزا أن اعتماد الرواية على الخطاب البصري يعني أن الإبداع الإنساني لا حدود له وواسع الآفاق، وكذلك الحال بالنسبة للتخيل الروائي والمشهد البصري في الرواية الأدبية.
واعتبر الروائي اليمني حبيب عبد الرب، أن الكون وهم انطباعي بصري أسير للمظاهر وتقديرات حواس، قائلا: “… الماضي يسير من ذاكرتنا بشكل سريع، فمهمة المدرسة والجامعة تصحيح هدا الخطأ الجذري”. وذكر عبد الرب أن التخيل الروائي يمكن سرده بالوصف أو المشهد البصري، إذ لا يوجد دكتاتورية لأحدهما على الآخر، فالأهم كيفية شد القارئ وإدهاشه، مسجلا أهمية المشهد البصري في الرواية، والذي يمكن تخيله كما لو كان يعرض على الشاشة، حيث لا يكتفي المبدع بالتقاط الحدث بل بتقديمه بطريقة مبدعة على نحو قادر على التأثير على المشاهد ويغير رؤية الإنسان لشيء معين.