لن نبحث في الطرق والوسائل التي يعتمدها كل راغب في الاستوزار، باستعمال سلالم الأحزاب السياسية ومصاعدها الالكترونية السرية، أو أدراج التكنقراط الناذرة، والتي غالبا ما تكلف المعني بالوزارة ومن يدعمه خسائر مادية ومعنوية. و لن نخوض في الحديث عن راتب الوزير، ولا في التعويضات الممنوحة له بسخاء عن السكن و التنقل والمهام و.. والتي سال مداد كثير بشأنها..ولا عن تقاعده المريح، وشارة الوزير التي يرفض التخلص منها بعد إعفائه من مهمته.
سنكتفي بالغوص في أعماق وبواطن ما يكلفه سعادة الوزير من أموال وأعباء ثقيلة، وهدر للزمن والطاقات البشرية والمادية، مباشرة بعد تعيينه من قبل ملك البلاد، واستلامه المسؤولية الوزارية. علما أن معظم من يلبسون جلباب الوزير، يخيل لهم أنهم يديرون ضيعات، وأن عليهم التدخل في كل صغيرة وكبيرة، واتخاذ قرارات بعيدة عن الأطر والكوادر التي تزخر بها وزاراتهم. والنتيجة مشاريع ومخططات فاشلة لبعضهم، وتبذير للأموال، وهدر للوقت والطاقات البشرية، وتعليق وتعطيل الانتقال الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والديمقراطي.
إن أبرز ما يشغل بال الوزير الجديد، الوفاء بالوعود، ليس للمغاربة، ولكن لذوي القربى والمناضلين منهم داخل حزبه. حيث تتم التضحية ببعض الموظفين والأعوان والحراس والسائقين القدامى، داخل الوزارة ودواوينها والمرافق التابعة لها بالعمالات والأقاليم، وتعويضهم بآخرين موالين له. كما يعمد إلى تغيير عتاد وتجهيزات بعض المكاتب، ضمنها مكتبه الرئيسي، ولما لا حتى سيارات الخدمة، التي لا يكتفي بتسخيرها لشخصه وأسرته، بل حتى لبعض ممن أدمجهم في قطاعه، وكذا إضافة مكاتب أخرى، وإنجاز طوابع وأختام خاصة به، وتغيير تلك الخاصة بالمسؤولين التابعين له، وربما تغيير أسماء بعض المصالح والأقسام، أو حتى حذفها أو إحداثها مع كل تشكيل حكومي جديد، وبناء مقرات، وتجهيزها، وتوفير الموارد البشرية، وإحداث أو إعادة تهيئة أو تعديل المرافق المحلية والإقليمية والجهوية والمركزية التابعة لها، وتمكينها من كل التجهيزات المكتبية والأثاث والأختام وأشياء أخرى تختلف باختلاف أخلاق وسلوكيات كل وزير. هذا دون الحديث عما قد ينتاب الوزير من حب العظمة، ورغبة في التخلص من كل أثر أو بصمة للوزير السابق، حيث يتم تعليق مشاريع الوزارة أو تحويل أموالها إلى مشاريع أخرى. وعدم مواصلة العمل بدراسات ومخططات وبرامج الوزير السابق التي صرفت من أجلها أموالا باهظة، ويبادر إلى صرف أموال أخرى من أجل فرض بديلا لها، وعدم الاهتمام بشراكات الوزارة واتفاقياتها الوطنية والدولية..
كلمة «وزير» لا تفرض التنافس والتباري العادل من أجل الحصول عليها، ويكتفي توفر الراغب في حملها على درجات عالية من الولاءات الحزبية أو المخزنية. كلمة يقرأها العارفون برموز التواصل السرية، من اليسار، ليحصلوا على كلمة «ريزو». ويدركون أن الفوز بها، يقتضي الحصول على «ريزو قوي»، أي شبكة معارف تمكنه من تغطية واسعة للداعمين له وانتزاع كل ما يطمح إليه.
وزير يحل غريبا على وزارة، بعشرات المكاتب والأقسام والمصالح والمديريات و يدخل مكتبه ولسان حاله يردد أين القط لأقتله.. عاملا بمقولة «النهار الأول يموت المش». يظهر بمظهر القائد المخيف والمرعب، عوض الظهور بمظهر البديل الجاد والمسؤول.. وعوض أن يؤمن ب»حسن النية» في الموظف والحارس والعون. وأن يعطي لنفسه فرص التعرف على تصميم وزارته، تلك المتاهة التي تعج بالرفوف والمكاتب والمستودعات والمخازن وال..، واستيعاب طبيعة عملها. وربما قد يدرك أن تلك الوزارة ليس بها قطط، بل أسد ولبؤات وأشبال، يدركون قيمة العرين الذي يحضنهم أكثر منه..لكن سعادة الوزير لا يدرك الأمر إلا بعد مرور عدة أشهر.. يكون قد تعرف فيها على حقائق الأمور. بما فيها الأخطاء والتجاوزات التي إما اقترفها عن سبق إصرار وترصد، أو عن خطأ أو جهل، أو بضغط من تلك القوى التي دفعت به إلى كرسي الزعامة، لتستغل منصبه، ومرافقه في قضاء مصالحها الشخصية. ويكون إذن قد بذر أموالا، وأهدر وقتا، وأحبط موظفين، وعطل طاقات وكفاءات وبرامج ومشاريع. ويكون قد رسخ للفشل الحكومي الذي أصبح مرضا وراثيا يصعب التخلص منه.
إنها كلفة تعيين وزير جديد بالحكومة المغربية، بعد أقل من شهر على تقلده مهام الوزارة، والتي لا أحد يتحدث عنها. خسائر مادية وبشرية، وتعثر منذ البداية، يجعل كل من يقف عليها، يجزم بأن لا خير يرجى ممن تسبب فيها. وأن مشوار الألف ميل الخاص بسعادة الوزير، قد رسمته خطواته المتسرعة في أقل من شهر. والتي قد تؤدي به إلى تعطيل قطار الوزارة. وترغمه على استعمال وسائل نقل تقليدية. والتوقيع على وثائق وملفات تشوبها الشوائب والنواقص. ليعرج بالوزارة ومهامها إلى المجهول. ويطبق عليه المثل المغربي العامي . «قيل فلان طاح، قالوا، من الخيمة خرج مايل «.. ولو أننا لم نرى يوما وزيرا قد سقط. ورأينا بالمقابل و إلى درجة الملل و الكآبة، أجيالا سقطت في وحل البرامج والمشاريع الفاشلة، والوعود الكاذبة. كلفة جد مرتفعة إذن ، يؤديها الشعب المغربي من ماله وطاقاته وصبره ورجاءه.. لم نسمع عنها في تقارير المجلس الأعلى للحسابات، والمنظمات الحقوقية، والمحاربين لناهبي المال، ولا داخل مفتشيات الوزارات. ولم نسمع عن وزير خجل من نفسه، واعترف بها. وعمد إلى تصحيح ما يمكن تصحيحه، وخصوصا تلك الأطر والكوادر المغربية التي كتب عليها أن تعمل تحت إمرته.. والتي يعبث بمهامها وشخصياتها سياسيا بعيدا عن مصالح البلاد العباد.هذه كلفة تعيين وزير وكل تشابه مع وزير من وزراءنا السابقين أو اللاحقين فهو مجرد حقيقة وجب الكشف عنها..
بقلم: بوشعيب حمراوي