خسارة قاسية تكبدها المنتخب المغربي لكرة القدم في أول مباراة له ضمن المجموعة الثانية بنهائيات كأس العالم في روسيا 2018، بعد سقوط غير متوقع يوم الجمعة الماضي أمام نظيره الإيراني، بهدف لصفر من توقيع عزيز بوحدوز ضد مرماه، في آخر دقيقة من الوقت الإضافي.
نال المنتخب الإيراني بهذه النتيجة 3 نقاط ثمينة، تصدر بها المجموعة الثانية، بعد تعادل مثير في المقابلة الثانية عن نفس المجموعة بين البرتغال وإسبانيا بثلاثة أهداف لكل فريق في انتظار إجراء مباريات الجولتين الثانية والثالثة.
هذه النتيجة التي لم تكن أبدا متوقعة، كما لم تعكس نهائيا مجريات المباراة، وعقدت بدرجة كبيرة مهمة الفريق الوطني، كما قللت من إمكانية المنافسة على أحد المركزين المؤهلين للدور الثاني، حيث سيواجه يوم الأربعاء القادم أصدقاء النجم البرتغالي كريستيانو رونالدو، على أن يختتم مبارياته في دور المجموعات بمواجهة لا تقل قوة ضد إسبانيا.
تشكيل غريب وتغييرات خارج المنطق
مع الإعلان عن التشكيلة الأساسية التي ستخوض المباراة ضد إيران، تركت اختيارات المدرب هيرفي رونار ذهولا كبيرا لدى كل المتتبعين، رغم أن تجربة الاعتماد على ظهيرين مزورين، غالبا ما تركت فراغات مهولة في خط الدفاع، كما أن تحويل شاكلة اللعب من 4-4-2 الى 3-5-2 لا يمكن أن يطبق بنجاعة نظرا لعدم توفره على نوعية محددة من اللاعبين المتواجدين، لكنه في كل مرة يصر على تجريب ما لا يجرب، وأحدث تغييرات غريبة على مراكز لا تتحمل كثرة التغيير.
فلا أشرف حكيمي المجبر على التواجد بالجهة اليسرى كان في المستوى المطلوب، ولا المسكين نور الدين أمرابط أدى دوره كاملا في الرواق الأيمن، وهو المهاجم الذي يبذل مجهودا بدنيا خارقا، مما حرم الفريق المغربي من مردوده الإيجابي بالخط الأمامي، دون أن ننسى بطبيعة الحال واجباته الدفاعية طيلة المباراة.
وبغرابة كبيرة كذلك، لم يفهم الكثيرون كيف تجرأ المدرب على الاعتماد في التشكيلة الأساسية في أول مباراة بالمونديال، على لاعبين ظلوا لمدة طويلة بدكة الاحتياط، كأيوب الكعبي وأمين حارث، مما خلق حالة ارتباك داخل التشكيلة، كما شتت ذهنية وتركيز اللاعبين معا، رغم رغبتهما في تحقيق الأفضل، إلا أن هذه الرغبة اصطدمت بقلة التجربة بموعد عالمي كبير ككأس العالم.
وحتى عندما أراد المدرب إحداث تغييرات عند الحاجة، أدخل لاعبا لم يتم الاعتماد عليه مدة طويلة، وآخر مباراة خاضها مع المنتخب كانت ضد مصر في ربع نهاية كأس إفريقيا للأمم بالغابون سنة 2017، والأمر يتعلق ببوحدوز بديل الكعبي، وأمام استغراب الجميع أيضا تم إخراج حاريث وتعويضه بالمدافع مانويل داكوستا، وهو الذي كان في حاجة إلى الوصول إلى مرمى المنتخب الإيراني المتراجع للوراء، والراغب في الخروج بأقل الخسائر أي نتيجة التعادل.
سيطرة عمياء وضياع غريب الفرص
بالرغم من اندفاع العناصر الوطنية منذ البداية نحو مرمى الإيرانيين، لكن هذا الاندفاع الذي تطلب منهم بذل قصارى الجهود من الناحية البدنية، جاء بطريقة سلبية، لكونه لم يترجم إلى أهداف حاسمة، حيث أهدر كل من حاريث وزياش فرصة سانحة للتسجيل، وتماما كما توقع المدرب البرتغالي كارلوس كيروش، فبذل مجهود بدني كبير خلال النصف ساعة الأولى من المباراة، وممارسة الضغط دون التمكن من التسجيل، يخلق بالنسبة للاعبين الذين يتوفرون على تقنيات فردية هائلة، نرفزة كبيرة، كان لها تأثير بالغ على معنوياتهم، وأدخلهم دائرة الشك وساهم في تقوية معنويات الفريق الخصم.
فأمام إهدار سيل من الفرص السانحة للتسجيل، وبذل مجهود بدني كبير، ضاقت كل السبل بلاعبي المنتخب المغربي، الشيء الذي خلق تفككا في المنظومة ككل، إذ شرع بعض اللاعبين في إبراز تقنياتهم واعتماد الحلول الفردية، مع المبالغة في الاستعراض، كما هو الحال بالنسبة لزياش وحاريث، وحتى يونس بلهندة القيدوم الذي أغفل كل واجباته وشرع في ممارسة نزواته الشخصية.
ضغط لاعبي المنتخب المغربي، غيب إمكانيات المنتخب الإيراني، وظهر كأنه عاجز عن مواجهة قوة “أسود الأطلس”، إلا أن الأمر كان مدروسا بالنسبة لكيروش، كما أكد ذلك خلال اللقاء الإعلامي عقب المباراة، إذ بفضله حقق انتصارا صغيرا، لكنه يبقى ثمينا، أهدى من خلاله ثلاث نقط لم تكن في حسبان أشد الإيرانيين تفاؤلا، وهناك ملاحظة أخرى برزت بمنطقة الوسط، بتخصيص مراقبة ذكية لبوصوفة، مما حرم الخط الأمامي من كراته السانحة، كما تعود على ذلك.
وهنا نعود مرة أخرى للقول إن أداء الفريق الوطني ضد إيران أظهر بعض الحالات الغريبة تتجلى أيضا في حالة الذهول التي دخلها رونار نفسه، إذ ظل يتفرج دون تدخل عاجل من طرفه، رغم ظهور حالة من الانهيار البدني والنفسي على أصدقاء العميد المهدي بنعطية، وعلى ذكر العميد فقد أظهر مرة أخرى محدوديته في جل التدخلات، مع تثاقل لا يتناسب والمستوى العالي كلاعب محترف بناد اسمه يوفنتوس.
وفي الوقت الذي كان من المفروض إدخال تغييرات أساسية على التشكيلة وحتى طريقة اللعب، جاءت الكارثة بإدخاله مدافعا مكان مهاجم، كما غير نور الدين أمرابط بأخيه سفيان في الجهة اليمنى لخط الدفاع، وهو الذي تعود على اللعب بوسط الميدان، وحتى عندما أراد تغيير الكعبي، أدخل مكانه بوحدوز صاحب الهدف الوحيد في المباراة، لكن للأسف كان بمرمى منتخبه، بينما تجاهل تماما مهاجما كان طيلة سنتين هو قلب الهجوم الأساسي، هو خالد بوطيب.
ضعف البدائل وأخطاء اللائحة
فأمام حالة الاستعصاء التي لازمت المنتخب طيلة فترات المباراة ضد إيران، وما رافق ذلك من أخطاء في التغييرات والتموضعات، التفت الجميع نحو دكة الاحتياط، حيث من المفروض تواجد قطع الغيار الضرورية لإحداث التغيير الإيجابي، لكن كان الفراغ مهولا على مستوى البدائل الجاهزة والصالحة للاستعمال، إما للحفاظ على التوازن المطلوب أو إدخال التغيير الإيجابي في التشكيلة وطريقة اللعب.
وحين نصف الأمر بالفراغ، فنعني هنا غياب اللاعب المؤهل للقيام بالدور المنتظر، وافتقاد ذاك العنصر متعدد المواهب أو الصالح لكل المهام والأدوار، وهذا ما حرم منه المنتخب الوطني في أول مباراة، كما أن ثعلبية رونار لم تسعفه في تجاوز النفق، وهو الفاقد للقدرة على قراءة مجريات المباراة، وإمكانية إدخال التغيير في الوقت المناسب.
وهنا تبرز بجلاء أخطاء الاختيارات بالنسبة للائحة ككل، وكيف تمت المبالغة في ترضية الخواطر، وتلبية رغبات بعض اللاعبين النافدين وفي مقدمتهم بنعطية الذي يفضل تواجد لاعبين ينسجم معهم خارج الملعب أكثر من داخله، والنتيجة لائحة تفقد التكافؤ المطلوب على مستوى كل الخطوط والمراكز.
حضرت عناصر غير مؤهلة، وأخرى لم تصل بعد لمرحلة النضج التي تتطلبها المشاركة في حدث دولي هام، بينما غابت مجموعة من العناصر المجربة والقادرة على منح المنتخب تلك المناعة التي بحث عنها في أول مباراة له بالمونديال، غابت عناصر الوداد وهو بطل إفريقيا، وهنا لا بد من ذكر كل من صلاح الدين السعيدي في وسط الميدان، ومحمد أوناجم بالخط الأمامي، كما تم الاستغناء بطريقة ظالمة عن المدافع الرجاوي بدر بانون، نفس الشيء بالنسبة للمهاجم الأوسط وليد أزارو ويوسف العربي وسفيان بوفال وغيرهم من اللاعبين الذين كان بإمكانهم منح المنتخب البدائل الجاهزة في أي لحظة من المباراة.
والمؤكد أن إعداد اللائحة تحكمت فيها الرغبات الشخصية لبعض اللاعبين والعلاقات الخاصة وتنازل المدرب أمام تدخلات بعض الأسماء، ما عرض اللائحة لاختراقات داخلية وليست خارجية، كما كان يحدث في السابق، بعد أن انحصر الأمر هذه المرة على أعضاء الطاقم التقني وبعض اللاعبين من أصحاب الخبرة، مما أفقد اللائحة التوازن المطلوب.
جمهور كبير خاب ظنه
حضر الجمهور المغربي بأعداد كبيرة بملعب سان بطرسبورغ، جاء من كل بقاع العالم، ومن المغرب أيضا، جمهور خلق الحدث بهذه المدينة الرائعة والجميلة، وكان تواجده لافتا داخل الملعب، كما أظهر تشجيعا حضاريا، والأكثر من ذلك قام بحركة تنم عن وعي وسلوك متحضر عندما رافق السلام الوطني الإيراني بالتصفيق، وليس بالصفير كما يحدث للأسف ببعض ملاعبنا.
هذا الجمهور المتنوع على مستوى الأعمار والشرائح والطبقات الاجتماعية ومن الجنسين، بحضور لافت لأفراد من العائلة الواحدة شكل الحدث، وكان بالفعل علامة فارقة قبل وأثناء وبعد المباراة، وكان ينتظر أن يكافأ من طرف لاعبي الفريق الوطني بتحقيق الانتصار في أول ظهور بمونديال روسيا بعد غياب لمدة 20 عاما، وتحديدا منذ دورة 1998 بفرنسا.
وتجمع أغلب تعليقات الجمهور الرياضي بمواقع التواصل الاجتماعي التي أعقبت المباراة على تحميل المدرب مسؤولية الهزيمة أمام إيران، رغم الإمكانيات التي وفرتها الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، ومرور كل مراحل الإعداد على أعلى مستوى وبأفضل المراكز بالقارة الأوروبية، إلا أنه يبدو – حسب رأي الجمهور دائما – أن بعض اللاعبين لم يقدروا قيمة المجهود الذي بذل، وحجم انتظارات الجمهور الرياضي.
وكما أشرنا إلى ذلك فقد جاء الجمهور من مختلف بقاع العالم وأيضا من المغرب عن طريق رحلات منظمة من مختلف المدن المغربية، والأمل كل الأمل أن تكفر العناصر الوطنية عن خطإ البداية، وتحقق نتيجة تعيد الأمل في إمكانية تحقيق التأهيل للدور الثاني لثاني مرة في تاريخ مشاركات كرة القدم الوطنية بالمونديال، والموعد الأربعاء القادم أمام برتغال كريستيانو رونالدو.
> مبعوثا بيان اليوم إلى روسيا:
محمد الروحلي وعقيل مكاو