هل تفتك التغيرات المناخية بصحة الإنسان؟

قبل بداية السنة الجديدة تفاوتت درجات الحرارة في ألمانيا بشكل كبير، فمن 8 درجات تحت الصفر إلى 14 درجة فوق الصفر، وهو تفاوت حاد في غضون أيام قليلة. فهل يشكل ذلك ضررا على صحة الإنسان؟

وفق بحث في جامعة ميونيخ عن أثر التغيرات المناخية في الإنسان، ترى البروفيسورة “أنجيلا شوه” من جامعة ميونيخ: أن كل واحد من ألمانيين يعاني فعليا من أزمات صحية بسبب تقلبات الطقس الحادة بين الارتفاع والانخفاض الكبير في درجات الحرارة.

تبدأ الأعراض المرضية وفق شوه بشعور المرء بالصداع الشديد، وآلام حادة في العظام، والجنوح إلى العزلة والاكتئاب، والشعور بالمزاج السيئ، والافتقار إلى مشاعر الفرح والسعادة.

منظمة الصحة العالمية أكدت كذلك حقيقة التغيرات المناخية وآثارها السلبية على صحة الإنسان، وقالت في تقارير: إن ارتفاع درجة حرارة العالم بنحو درجة مئوية واحدة على الأقل، أدى إلى كوارث بيئية عديدة هددت حياة الإنسان، وقادت إلى مخاطر واضطرابات صحية، تمثلت في زيادة الأمراض الصدرية، وأمراض القلب، واضطراب الدورة الدموية.

الجسم لا يستطيع التكيف مع تقلبات الطقس الحادة

يكمن السبب في تدهور صحة الإنسان جراء هذه التغيرات المناخية في أن الجسم ليس مستعدا للتكيف لا طبيعيا ولافسيولوجيا مع تلك التغيرات السريعة، فتبدأ معاناة الناس من أمراض الطقس. لهذا ترى شوه أن الرياضة وتدريب الجسم على التكيف مع هذه التغيرات ضروريان الآن، وهو أمر أصبح ممكنا في ألمانيا، كما أن التريض في الطبيعة لأوقات طويلة بغض النظر عن حالة الجو يساعد على تدريب الجسم على حالة التكيف مع تلك التغيرات.

إن خمس سكان ألمانيا يعانون بالفعل من مشاكل حقيقية متعلقة بالطقس وتغير درجات الحرارة، 70% منهم يتأثرون بشكل مباشر ولا سيما المسنين، وأغلب شكواهم تكون عادة من الصداع، والتعب، والاكتئاب، والملل، وتعكر المزاج العام دون سبب واضح.

لكن كيف يتأثر الجسم بتلك التغيرات المناخية؟ إن ذلك يرجع في الأساس إلى المستقبلات والأجهزة الاستشعارية الموجودة في الأوعية الدموية، وهي مستقبلات ميكانيكية يتم من خلالها إرسال رسائل إلى الجهاز العصبي المركزي الذي يقوم بترجمتها حتى يتعرف عليها الجسم، بما يعني أن هذه المستقبلات تعمل كأنها ترموميتر للقياس في جسم الإنسان، وعندما تستقبل إشارات التغير الحاد التي يتعرض لها الجسم ولا يستطيع الجهاز العصبي تفسير ذلك تظهر على الجسم أعراض مرضية يمكن تعريفها بأنها أعراض أمراض الطقس.

مركز للتدريب على التغيرات المناخية

في مدينة “جارمش بارتنر كيرشن” في جنوب ألمانيا تم تأسيس مركز طبي متخصص في علاج الحالات الناتجة من أمراض التغير المناخي، والخلل الذي يحدث في تغيرات الإيقاع الجسدي الذي اعتاده جسم الإنسان، ففي هذا المركز تم تطوير علاج بيوكيميائي يمكن أن يعمل على تقوية الجسم ضد تقلبات المناخ، ويساعده على الاسترخاء بدل التشنج الذي يمكن أن يصيبه، كذلك يدخل في سياسة هذا المركز المتخصص العلاج بالرياضة التي هي من أهم الأساسيات التي يعتمدها المركز في تقوية الجسم واعتياده على التغيرات المفاجئة ومن ثم التكيف مع تلك التغيرات، وأغلب هذه الرياضة تكون في الأماكن المفتوحة والطبيعية.

يدخل في نطاق هذا المركز أيضا التدريبات المساعدة لتنشيط الأوعية الدموية مثل السونا، والحمامات، والبقاء في الهواء النقي مدة نصف ساعة يوميا حتى في حالات الطقس السيئ، وتقول بروتوكولات المركز إنه من المفيد والصحي للإنسان أن يتجنب التغيرات المفاجئة في إيقاع الحياة اليومي، ومحاولة إيجاد إيقاع منتظم للحياة، ومن ثم محاولة التوصل إلى انسجام للجسم يعمل على الانتقال من النشاط إلى الهدوء في انسجام تام لا يتأثر بالإيقاع المتغير للحياة. كذلك يجب على الذين يرغبون في تلقي علاج ناجح أن يقلعوا عن تناول الكحول، والنيكوتين، وأن يكونوا مستعدين لتعلم فن استرخاء الجسم.

مناخ سليم يؤدي إلى صحة جيدة

يعتاد الإنسان بيولوجيا إيقاع الحياة الثابت، ويتكيف معه، وأي تغير يسبب معاناة شديدة وآلاما في الجسم وهذا معروف، ويظهر مع الذين اعتادوا العمل بنظام المناوبة الليلي، أي يغيرون فترات عملهم من الفترة الصباحية إلى المسائية أو العكس، فإنهم  بذلك لا يحافظون على إيقاع حياتهم بالشكل السليم، كذلك أيضا السفر بالطائرات في رحلات بين الدول التي تكون بينها فروق كبيرة في التوقيت، وأيضا التغير الذي يحدث بين التوقيت الصيفي والشتوي كلها من الأمثلة التي تجهد الجسم بسبب عدم القدرة على التكيف مع المتغيرات الطارئة، وهذا بالضبط ما يحدث مع تغيرات المناخ.

آثار تغير المناخ على الصحة تتوقف أساسا على قابلية تأثر السكان وقدرتهم على التكيف مع المعدل الحالي لتغير المناخ، ومدى وسرعة التكيف معه، إذا أخذنا على سبيل المثال ألمانيا، فإننا سنجد أن ثلث سكان الجنوب الألماني يعانون من أثر التغيرات المناخية أكثر من سكان الشمال، ففي حالة ارتفاع درجات الحرارة في الصيف نجد أن سكان الجنوب يعانون بشدة من هذا الارتفاع عكس سكان الشمال الذين يرتاحون لهذا الارتفاع، وهو نفس ما يحدث في ظل الدرجات المتدنية من الحرارة التي يحدث فيها العكس لدى الجانبين.

بالتأكيد لن يكون هناك تحسن صحي وبيئي عالمي إلا بتوقف التأثيرات الضارة التي يتسبب فيها الإنسان مثل الانبعاثات، وتجنب تجاوز عتبات درجات الحرارة الحد الحرج.

  • صلاح سليمان 

 كاتب مصري مقيم في ألمانيا

Related posts

Top