أرجع محمد بشير الراشدي رئيس الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة، تسجيل الإفلات من المتابعة والعقاب في حق مرتكبي أفعال الفساد، إلى وجود ثغرات على مستوى القانون والمسطرة التي تحول أحيانا دون تحريك المتابعة في حق حالات متعددة من ممارسات الفساد، وهذا الأمر يقول الراشدي “يساهم ليس فقط في تقزيم محاصرة وتطويق مرتكبي أفعال الفساد بل في تقويض مبدأ الاحتكام إلى عدالة يتساوى أمامها الجميع براءة وعقابا، بما أدى إلى تفاقم الفساد وتدهور معدلات الثقة”.
ولتطويق الفساد وإعادة بناء ثقة المجتمع في المسؤولين على تدبير الشأن العام، اقترح رئيس الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة، العمل بشكل استباقي وفق ما تضمنته التوصيات التي جاءت في التقرير الموضوعاتي الذي رافق التقرير السنوي للهيئة برسم سنة 2020، الذي قدم في ندوة صحفية يوم الثلاثاء الماضي، وذلك بإعادة بناء منظومة التصريح بالممتلكات، والتي ينبغي أن تتم عبر اتخاذ مسار جديد لمكافحة الفساد وإرساء رؤية شمولية من أجل تثبيت الحكامة المسؤولة”.
وأكد رئيس الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة على أهمية التوجه نحو نموذج يضمن شمولية الرؤية، وانسجام وتناسق مكونات السياسات العمومية، بالعمل على إدراج مكافحة الفساد ضمن منظور استراتيجي ينهض على دعائم الالتقائية والتنسيق المحكم والتكامل المؤسساتي الذي تضطلع فيه الهيئة، بدور محوري عبر مهامها الدستورية في الإشراف والتنسيق وضمان تتبع التنفيذ”.
ودعا إلى “إعادة بناء منظومة التصريح بالممتلكات على أسس جديدة، بإجراء مراجعة عميقة للنصوص القانونية المؤطرة لمنظومة التصريح بالممتلكات، في اتجاه توحيدها وتقويتها، بما يمكن من اعتماد نظام معلوماتي شامل ومندمج وتفاعلي ومترابط، يتميز بقدرات المعالجة الأوتوماتيكية للمعطيات، الكفيلة بالتحليل الآني والاستباقي لما هو مصرح به”.
وشدد بناء على المضامين التي حملها التقرير الموضوعاتي حول منظومة التصريح الإجباري بالممتلكات، على ضرورة “إعادة بناء هذه الأخيرة (منظومة التصريح بالممتلكات)، على أسس جديدة بحيث تستهدف تثبيث حكامة ممارسة المسؤوليات، باعتبارها إحدى ضمانات التدبير الجيد والرشيد للشأن العام، وآلية احترازية لتطويق ومحاصرة الانفلاتات والتجاوزات التي قد تفرزها ممارسة المسؤوليات”، وذلك انطلاقا من مبدأ التجاوب مع ما يطرحه الدستور في ربط المسؤولية بالمحاسبة والاستئناس بما تتضمنه الاتفاقيات الدولية في هذا الباب.
وكشفت الدراسة التي أنجزتها الهيئة بخصوص منظومة التصريح بالممتلكات الحالية، والتي وقفت على مجموعة من الإكراهات المرتبطة بتنفيذ ومحدودية هذا الإطار القانوني، أن النجاعة والفعالية تقتضي إقرار المسؤولين المبدئي بالكشف عن ممتلكاتهم وموجوداتهم وما قد يحصل عليها من تغيير خلال الولاية الموكولة إليهم، وبالمقابل تمتيعهم بأنواع من الحمايات والحقوق لأنهم يتحملون مسؤولية الائتمان على المرفق العام.
كما أن بناء المنظومة يتطلب استحضار مفهوم زجر الإخلال بالتعاقد والائتمان، والذي يتأسس على مبدأ الجزاء الوقائي والإصلاحي والردعي، باعتباره الضامن، حيث اعتبرت الدراسة أن منظومة التصريح بالممتلكات تمثل جسرا أساسيا لإعادة بناء ثقة المجتمع فيمن ائتمنهم على تدبير المرفق العام من جهة، وباعتبارها آلية وقائية للاحتراز من الضرر المحتمل الذي قد يطال المرفق العام نتيجة التجاوزات المسجلة في ممارسة المسؤوليات من جهة ثانية.
وبالنسبة لمكافحة الإثراء غير المشروع، اقترحت الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة، بناء على الدراسة التي أعدتها بهذا الخصوص بلورة نص قانوني خاص بالإثراء غير المشروع، حيث أكدت الهيئة أنها تعتبر أن الاختيار التشريعي الأنسب هو اعتبار هذه الجريمة، جريمة قائمة بذاتها لها مقوماتها الجرمية، ومحدداتها المسطرية الكفيلة بإثباتها، والعقوبات الحبسية والمالية المتناسبة مع خطورتها، والأشخاص الخاضعين لها.
كما ينبغي أن يتم في هذا القانون تحديد الجهات المعنية برصدها وتلقي التبليغات عن حالات الاشتباه بها، مع ترسيم العلاقات والتكامل الفعال بين مختلف هذه الجهات من جهة، وبينها وبين النيابات العامة المختصة من جهة ثانية.
ولم يفت الهيئة أن تقترح بالنسبة لهذا النص القانوني الخاص بالإثراء غير المشروع، أن يتم فيه توضيح الجسور التي تعين مدها بين الإثراء غير المشروع ونظام التصريح الإجباري بالممتلكات.
وفيما يتعلق بحالات تضارب المصالح، تؤكد الهيئة على ضرورة إقرار تشريع يؤطر الوقاية من حالات تضارب المصالح، اعتمادا على خلاصات الدراسات التي أعدتها الهيئة في هذا الباب، قائلة: “إنه إذا كان يبدو مستحيلا على مستوى الممارسة العملية القضاء على حالات تضارب المصالح، فقد أصبح مطلوبا اليوم التأطير القانوني لهذه الحالات، بهدف تحديد المخاطر واستباق توقعها بوضع نصوص وإرساء آليات تمنع حصول تجاوزات في هذا الشأن”.
وأوصت الهيئة في هذه الجانب باعتماد نظام التصريح الإجباري بالمصالح الشخصية المرتبطة بممارسة الوظيفة أو النشاط أو المهنة، وبكل حالة يمكن أن تشكل تضاربا في المصالح من موقع ممارسة المهام والمسؤوليات؛ حيث يمكن أن تكتسي هذه المصالح طابعا دائما، كما يمكن أن تكون عرضية وتستدعي بالتالي التصريح بها لدى المصالح الداخلية أو لدى هيئات خارجية، حسب الحالة لضمان تتبعها.
< فنن العفاني