تم حجب جائزة نوبل للآداب هذه السنة (كان من المقرر أن يعلن عنها يوم 4 أكتوبر) نتيجة تداعيات الخلافات التي وقعت خلال السنة الماضية بين أعضاء لجنتها والتي لا صلة لها بالجائزة في حد ذاتها.
لم يكن لهذا الحجب أي تأثير يذكر، بمعنى أن وجود الجائزة مثل عدمها، وهذا يمكن أن يشكل درسا لكل أولئك الذين يعلقون أملا كبيرا على هذه الجائزة، ولا يكفون عن التساؤل لماذا لم يفز بها فلان أو علان أو فرتلان.. الأكثر من ذلك أن هناك من كان يربط وجوده بالأمل في الحصول على هذا التشريف الكوني.
لكن الحجب الذي حصل للجائزة العالمية، أكد على حقيقة أن البهرجة التي تحيط بها إعلاميا، هو ما يجعلنا نحس بوجودها؛ فبمجرد ما اختفت عن الوجود، ربما بشكل مؤقت، لم يتم الاهتمام بالأمر كثيرا، إنها مجرد جائزة لها قيمة مادية معينة، ويمكن أن يتم حجبها أو تعويضها بأخرى مماثلة دون أن يحصل أي شيء.
على سبيل المثال، لم تتوقف دور النشر عن إصدار الكتب، ولن تتوقف أبدا، بالنظر إلى أن التأليف سواء في مجال الإبداع أو في سواه، وثيق الصلة بالوجود، وغير رهين بوجود هذه الجائزة أو تلك.
الشيء المثير أننا نتحدث في الغالب عن الجائزة الخاصة بالآداب، مع أن نوبل مخصص لعدة فروع من العلم والمعرفة: الطب، الفيزياء، الكيمياء.. وكأن هذه العلوم لا تعنينا من قريب أو بعيد.
في حالة بلدنا المغرب، يكون من الطبيعي جدا تفهم هذا الوضع، سيما إذا علمنا حجم الميزانية المخصصة للبحث العلمي، إنها ضئيلة جدا، إلى حد أنه من المخجل ذكرها أو مقارنتها مع النسب التي تخصصها بلدان أخرى للمجال ذاته.
هذه البلدان هي الجديرة بالتساؤل حول من حصل على نوبل للفيزياء أو الطب أو الكيمياء أو ما شابه ذلك، وهي كذلك الجديرة بأن تنتظر حظها من التتويج.
في بلدنا تبخيس للعلم وللمعرفة على مختلف المستويات، لنلاحظ كيف أن إعلامنا العمومي، سواء السمعي أو البصري، لا يخصص سوى الوقت اليسير جدا للبرامج العلمية، وأغلب الحصص التي يتم بثها بهذا الخصوص، هي مستوردة، بمعنى أنه ليس هناك تحفيز على الإنتاج الوطني، بالرغم من أن قنواتنا وإذاعاتنا تتوفر على طاقم بشري، لديه من المؤهلات الكافية لإنتاج برامج مماثلة، غير أنها معطلة. مع أنه لا يكفي أن تكون هناك حصص زمنية محدودة من البرامج العلمية، بل المفروض أن تكون هناك قنوات خاصة بهذا المجال، ورغم تحرير قطاعنا السمعي البصري منذ مدة ليست باليسيرة، لم يتم أخد قرار بشأن الترخيص لإحداث قناة علمية واحدة، ظهرت هناك قنوات، لكن اهتمامها يصب في مجالات أخرى من قبيل: الموسيقى والأدب والطبخ..
شكرا إذن لجائزة نوبل التي تتيح لنا من وقت إلى آخر إثارة تساؤلات مجددة حول عطب قديم، يتمثل في تغليب اهتمامنا بالآداب على حساب العلوم، رغم أننا لا “نحمر” الوجه لا في هذه ولا في تلك.
عبد العالي بركات