يوميات الدورة 17 للمهرجان الوطني للفيلم بطنجة

 مبعوث بيان اليوم إلى طنجة: عبد العالي بركات

أفلام بكفاءات أجنبية

 بعض الأفلام تمنحك الانطباع بأنها ليست مغربية، ويجعلك ذلك تتساءل باستنكار: متى سيحين الأوان لتأسيس مدرسة سينمائية مغربية قحة؟  يبرز ذلك من خلال التقنيات الموظفة وكذا من خلال اللغة المستعملة، لكن حين تلقي نظرة على الجينيريك، ينتفي سبب الاستغراب، إذا ظهر السبب بطل العجب، التصوير والصوت والمونتاج من إنجاز كفاءات أجنبية، لا بل نجد هذه الكفاءات تنخرط كذلك في المشاركة في كتابة السيناريو، وأحيانا يكون الإنتاج بدوره مشتركا.
  وفي اعتقادي أن الاشتراك الأجنبي في الإنتاج السينمائي المغربي، هو جزء أساسي من الأعطاب التي تعاني منها السينما ببلادنا، حيث غالبا ما يفرض هذا التمويل الأجنبي شروطه الخاصة المجحفة في حق سينمانا وبلدنا على الخصوص، حيث لا شيء يمكن أن يمنح بالمجان من طرف الآخر، ورأينا كيف أن بعض الأفلام المغربية، تدخل في صناعة مضمونها الاستعماري أجانب، كما هو الحال بالنسبة لفيلم جزيرة ليلى الذي موله الإسبان، وقاموا بعملية غسيل لدماغ مخرجها، إلى حد أنه يجرؤ على مسخ لون الراية المغربية التي رفعت فوق الجزيرة المذكورة، للتعبير عن أنها لا تستحق أن ترفع في هذا المكان رغم انتمائه إلينا.

  الفيلم القصير: المعنى في بطن المخرج

 مما لا شك فيه أن ضيق مدة عرض الأفلام القصيرة، تفرض على المخرج أن يختزل القضية المطروحة إلى حد يحولها إلى مجرد إيحاءات، على المتلقي أن يبذل مجهودا مضاعفا للوقوف على أبعادها ودلالاتها، أحيانا لا يكون هناك رابط بين المشاهد المعروضة، وعلى المتلقي كذلك أن يرتب هذه المشاهد ويعمل على نسج علاقة بينها لبلوغ معناها، في حين أن المعنى في بطن المخرج، على غرار الشعراء الذين قد يقولون ما لا يفهم، في الوقت الذي يكون فيه المتلقي مطالبا بأن يفهم ما يقال.

 أفراح صغيرة

 كان منتظرا من المخرج السينمائي الشريف الطريبق أن ينقل عالم الشمال، شمال المغرب، بكل خصوصياته، في فيلمه السينمائي الطويل أفراح صغيرة، لأنه دأب على ذلك في تجاربه السابقة، خصوصا في الدراما التلفزيونية، وفعلا لم يخيب أفق انتظار المتلقي، من هذه الزاوية فقط، حيث كانت مدينة تطوان حاضرة بكل حمولتها التاريخية، علما بأن الأحداث تدور في عقد الخمسينات من القرن الماضي.
 هذا الفيلم يندرج في إطار السينما النسائية، على اعتبار أنه يركز على هموم المرأة، على رغباتها وأحلامها وشقائها، وكان موضوع الحب والزواج وتداعياته مهيمنا بقوة على جل أحداث الشريط، وكان خطها الدرامي الرئيسي، وعن طريق ذلك عمل المخرج على توثيق بعض الجوانب المرتبطة بأسلوب عيش سكان مدينة تطوان في فترة تاريخية معينة، على مستوى اللباس والمعمار والأثاث والموسيقى، وعلى ذكر الموسيقى، فقد كان هذا العنصر حاضرا بكل ثقله في الشريط، حيث أنه بين مشهد وآخر، كان يتم نقل حصة من الطرب الأندلسي مصحوبا بأداء غنائي جذاب لصوت نسائي موهوب. كما استحضر الفيلم الأغاني العصرية التي كانت سائدة في ذلك الإبان، وهي في الغالب مشرقية، فريد الأطرش ومحمد عبد الوهاب وغيرهما، وهي أغاني لا تخرج عن الموضوع الرئيسي للشريط، أي الحب وهمومه: يا جميل يا جميل على حبك بان دليل..يا محير قلبي معك..يقول فريد الأطرش، مما يعني أن الفترة كانت فترة رومانسية بامتياز.
 يمكن لهذا الشريط أن يحمل عنوانا آخر، هو جمال تطواني، حيث تم تركيز الانتباه على الجمال الأخاذ للمرأة التطوانية، هناك أناقة تطفح من هذا الشريط، لمسنا ذلك في كل جزء من جزئيات العيش في تطوان، أناقة في اللباس والمعمار والكلام والغناء وتأثيث البيوت وكل شيء.
 كثير من التقاليد والعادات عمل هذا الشريط على توثيقها، خصوصا ما تعلق منها بالزواج، إلى حد أن المشاهد قد يعتقد أنه بصدد متابعة برنامج وثائقي تلفزيوني عن طقوس الزواج، من قبيل الهودج التي كانت تعرضه التلفزة المغربية في إحدى قنواتها.
 حضور لسطح البيوت، باعتباره مكانا له خصوصياته، كان حاضرا هو كذلك بكل ثقله في الشريط، وينطوي على دلالة معينة، إذ يشكل متنفسا، باعتبار أنه مفتوح على رحابة السماء، إنه فضاء للانفراج النفسي، للبوح ولتقاسم الأسرار.
 يمكن القول إن هذا الشريط السينمائي الطويل، قد استطاع أن يخرجنا من حالات السوداوية والبؤس والعنف التي هيمنت على مجموعة من عروض هذه الدورة، ولا شك أن المشاهد لم يغادر قاعة عرض فيلم أفراح صغيرة، كما دخلها.
مدة هذا الفيلم 85 دقيقة، إخراج وسيناريو: الشريف الطريبق، تصوير: كرينكوتا بنزارو، صوت: فريديريك لوت، مونتاج: أورليان مانيا، موسيقى: أمين أكرامي، زينب أفيلال، أنيسة العناية، فرح الفاسي، مهاد داوود، فاما الفراح، فاطنة الخماري، سناء الركراكي.   
             
  رجاء بنت الملاح

فيلم وثائقي ثان، بعد فيلم ثقل الظل، تم عرضه خلال هذه الدورة، يتعلق الأمر بالفيلم السينمائي الطويل رجاء بنت الملاح لمخرجه عبد الإله الجوهري، وهو عمله الأول من هذا النوع، يحكي هذا الشريط عن الحياة المعيشية للممثلة نجاة بنسالم، التي حملت اسم رجاء بنت الملاح، في إحالة على الدور الذي كانت شخصته في أحد الأفلام الأجنبية ونالت عنه جائزة أحسن تشخيص في أهم المهرجانات العالمية، من قبيل المهرجان الدولي للسينما بمراكش ومهرجان البندقية بإيطاليا، حيث لم يحالفها الحظ لمتابعة مسارها الفني الناجح، وظلت حبيسة وضعها الاجتماعي البئيس بمراكش، خصوصا بعد أن فضلت العيش لوحدها بعيدا عن أسرتها، ينقلنا الشريط إلى محل السكنى الذي تكتريه، والذي يوجد في حالة مزرية، وكيف أنه حدث أن هوى جزء من سقفه وكسر تذكارات الجوائز التي حصلت عليها في محافل دولية. يقربنا الشريط من المهن الوضيعة التي استمرت تمارسها بالرغم من النجومية التي حصلت عليها، بفضل تتويجها، من قبيل بيع السجائر بالتقسيط، بالموازاة مع ذلك يكشف لنا الجانب الإنساني لهذه الفتاة الشابة التي قست عليها الظروف، كيف أنها تحرص على العناية بقطط الشارع، تحمل إليها الأكل بالرغم من ظروفها المادية الصعبة، لقد كانت هذه الفتاة غير محظوظة، لعدة اعتبارات، تمت إساءة فهم طبيعة مشاركتها في تلك الأفلام الأجنبية التي بفضلها حصلت على التتويج باعتبارها أحسن ممثلة، حيث تم النظر إليها بأنها لا تعدو أن قامت بتشخيص مشاهدة مخلة بالحياء، مشاهد جنسية، في حين حاولت أن تقنع بصحبة النساء المغربيات اللواتي شاركن معها في الأفلام نفسها، بأن الأمر لا يعدو أن يكون مجرد خدع سينمائية ليس إلا، لكن لا أحد اقتنع بذلك، كما كانت الفتاة رجاء سيئة الحظ كذلك، حين عجزت عن تسلم جوائزها بنفسها، بسبب اعتراض الحراس على دخولها إلى مكان تسليم تلك الجوائز، بالنظر إلى أنها لا تتوفر على بطاقة الدعوة أو تأشيرة الدخول، كما ظلت ممنوعة من متابعة دورات المهرجان الدولي للسينما بمراكش، للسبب نفسه، وهو عدم توفرها على التأشيرة أو البادج، كما أن وضعها الاجتماعي الفقير حسبما يظهر في هيئتها وهندامها، كان يدفع بالحراس إلى معاملتها بفظاظة، وهو ما كان يفاقم أزمتها النفسية، سيما وأنها سبق لها أن حظيت بالتتويج في هذه التظاهرة ذاتها.
 تم الحرص في هذا الشريط على جعل الكاميرا دائمة الحركة، وهي تقفو أثر البطلة رجاء، وفي ذلك إشارة دالة على وضعها الاجتماعي غير المستقر، وقلقها الدائم، كيف يمكن لها أن تجد لنفسها -خصوصا بعد نيلها جوائز عالمية- موقعا إلى جانب الممثلات الأخريات اللواتي استطعن أن يحققن استقرارا ماديا إلى جانب كسبهن للشهرة.
مدة شريط رجاء بنت الملاح 70 دقيقة، إخراج وسيناريو: عبد الإله الجوهري، تصوير: فاضل شويكة، صوت: توفيق مكراز، مونتاج: محمد الوزاني، تشخيص: نجاة بنسالم، أم العيد أيت اليوس، حليمة بنسالم، باسكال كريكوري.

****Sans titre-15حوارات

الناقد السينمائي عمر أيت المختار

> ما هو انطباعك حول الأفلام الطويلة والقصيرة التي برمجت خلال الدورة السابعة عشر للمهرجان الوطني للفيلم بطنجة؟
ـ  من خلال مشاهدة أولية للأفلام التي عرضت حتى الآن، يمكن القول إنها تنبئ على أن المنافسة ستكون قوية على الجوائز، باعتبار أن المهرجان هو مهرجان المنافسة، أربعة عشر فيلما طويلا، بينها الفيلم الذي افتتحت به هذه العروض لجيروم كوهن بعنوان “أوركسترا منتصف الليل”، هو فيلم قوي، يعرض مشاهد قوية، وتكمن قوته، سواء من خلال القصة أو من خلال الممثلين، مما يجعله فيلما يضع نفسه في دائرة المنافسة، هذا لا يلغي قيمة الأفلام الأخرى، كما هو الحال بالنسبة للفيلم الذي يتحدث عن دموع إبليس لهشام جباري، وكذا فيلم مسافة ميل بحذائي لسعيد الخلاف.
> أين تتجلى قوة هذه الأفلام؟
< هذه الأفلام كما هو معلوم، هي الأولى في التجربة السينمائية لأصحابها، ولكنها حاضرة، تنبئ عن قوة معينة، وتتجلى هذه القوة في القدرة على التعاطي مع اللغة السينمائية، مع التقنيات التي أصبحت اليوم متاحة وممكنة ومتحكم فيها، السرد واللغة السينمائية في أفلام أخرى، يبقى فيها نظر، هناك طبعا لحظات قوة ولحظات ضعف في الفيلمين معا، لكن هذا لا يمنع من القول إن هذين الفيلمين لهما كذلك نوع من الحضور القوي، خصوصا إذا ما اعتبرنا أنها تجربة أولى للمخرجين معا.
> وما هو الانطباع الذي خرجت به من خلال مشاهدتك للأفلام القصيرة المبرمجة ضمن المسابقة الرسمية؟
< على مستوى الأفلام القصيرة التي عرضت لحد الآن، يبدو أن فيلم مول الكلب لكمال الأزرق يكاد يكون أقوى الأفلام القصيرة التي شاهدناها في هذه الدورة، والتي تنبئ عن قدرات معينة لمخرج شاب استطاع سبر أغوار مدينة الدار البيضاء بمجالاتها الصعبة والوعرة وفي دروبها المظلمة، كما استطاع من خلال موضوع غير مطروق أن يحكي عن الدار البيضاء السفلى إذا صح التعبير.
لكن هذا لا يلغي قيمة الأفلام الأخرى القصيرة، كما هو الحال بالنسبة لفيلم تكشبيلة تيوليولا ليوسف العليوي، على مستوى فضاءات التصوير وطريقة الإضاءة، إن له قيمة فنية متميزة.
> ما موقفك من اختيار العنف الذي يحتل مساحة زمنية في مجموعة من الأشرطة التي برمجت خلال هذه الدورة وحتى في الدورات السابقة؟  
< سأتحدث هنا عن ما شاهدناه خلال هذه الدورة، في فيلم دموع إبليس لهشام الجباري على سبيل المثال، ربما يبدو أن العنف مبالغ فيه، كما أن الموضوع لا يحتاج إلا هذا النوع من التصور للواقع، وإن كان الخيال له وضعه الخاص، ولكننا لا نعرف أن معتقلا سياسيا خرج من المعتقل وأصر على الانتقام بنفس الطريقة، ربما هذا نوع من الافتراء على التاريخ، وهذا لا يلغي مع ذلك قيمة الفيلم، على مستوى التصوير والقصة والحكي وما إلى ذلك، في حين أن العنف الذي تم توظيفه في الفيلم الطويل مسافة ميل بحذائي لسعيد الخلاف هو مبرر في الشارع وفي الأماكن المهمشة. كان من الممكن إعادة المونتاج وحذف بعض مشاهد العنف، فإذا حذفنا عشرين دقيقة من مائة وعشر دقائق التي هي المساحة الزمنية التي يستغرقها، قد نجعل منه فيلما أكثر قوة مما شاهدناه حتى الآن في هذه الدورة.Sans titre-11

خليل الدامون (رئيس الجمعية المغربية لنقاد السينما)

لابد من إعادة النظر في التوجه العام للسينما في المغرب

> ما هي قراءتك الخاصة لأفلام هذه الدورة؟
< على أي حال، انطباعي سيكون باعتباري ناقدا بطبيعة الحال، على اعتبار أننا إذا تتبعنا صيرورة الإنتاج السينمائي المغربي، نجد أن التركيز كان يتم دائما على المستوى الكمي أكثر من الاهتمام بالجودة والكيف، الأفلام التي برمجت في هذه الدورة تندرج في هذا السياق، وإن كان قد وقع نوع من الاختيار حيث هناك أربع عشرة فيلما، ولكن لحد الآن إذا استثنينا فيلم واحد يشتمل على كتابة سينمائية، وهو لهشام العسري، هو الفيلم الوحيد الذي ينم عن اجتهاد، قد نتفق معه وقد لا نتفق، قد نفهمه وقد لا نفهمه، ولكنه نجعلنا نحس بأن وراء العمل مخرج يستخدم أدوات سينمائية في محلها، له رسالة يريد أن يوجهها إلى الجمهور، أما الأفلام الأخرى بطبيعة الحال، إما تندرج في ما يسمى بالأفلام التلفزيونية، على مستوى البناء الحكائي واللغة وغير ذلك من العناصر، كما تريد أن تتوجه إلى كافة أنواع الجماهير، وهذا شيء غير ممكن بطبيعة الحال، بمعنى أنه لحد الآن، وهذا انطباع عام وهو أنه لابد من إعادة النظر في التوجه العام للسينما في المغرب. سواء من الناحية القانونية أو البنيات التحتية أو التكوين، خاصة وأن المخرجين اليوم أصبحوا يفكرون في المسائل التقنية أكثر مما يفكرون في المسائل الفكرية والثقافية، إلى غير ذلك، أتمنى أن تخرجنا الأفلام القادمة من هذا الانطباع.
> بالنسبة للأفلام القصيرة، كيف تلقيتها؟
< المفاجأة الجميلة لهذه الدورة أن هناك أفلاما قصيرة كما هو الحال بالنسبة لفيلم مول الكلب لكمال لزرق الذي يمنح الانطباع بأنه مضبوط من الناحية الفنية، وإن كان الفيلم هو إنتاج مغربي فرنسي، ولكنه يقدم نموذجا للأفلام القصيرة التي لا أقول إنها جيدة ولكنها تتوفر على مقومات الكتابة السينمائية سواء في المونتاج أو الحوار أو التصوير أو على مستوى تحريك الكاميرا إلى غير ذلك، وهذه هي اللغة السينمائية التي علينا أن نتحدث بها اليوم، بمعنى أن الفيلم القصير يختلف وإن بدرجة متفاوتة مع الفيلم الطويل.
> لكن من الملاحظ أن هذا الفيلم القصير الذي أشدت به، أنجز الأجانب كل عناصره التقنية: الصوت والتصوير والمونتاج.. وهذا لا يجعلنا نفتخر أو نعتبره فيلما مغربيا.
< طبعا أنجزها أجانب، وهذا هو المشكل، وكما سبق أن قلت لك، نحن بحاجة إلى إعادة النظر في مجموعة من مكونات الإنتاج السينمائي المغربي، وضمنه بطبيعة الحال الجانب المتعلق بالتكوين.    

Related posts

Top