إنقاذ 20 فبراير

صار واضحا  طيلة الأسابيع الأخيرة أن حركة شباب 20 فبراير في عدد من المدن لا تخرج من ارتباك إلا لكي تعانق آخر أكبر منه، وبالإضافة إلى تناقص أعداد المستجيبين لنداءات الخروج في مسيرات نهاية الأسبوع، فإن الاختلافات الداخلية بين مكونات الحركة ونشطائها باتت غير خفية على أحد.
وبالنظر إلى ما سبق، فقد لجأ بعض العدميين من نشطاء الحركة، خصوصا في طنجة، خلال الخرجة الأخيرة إلى تصعيد حدة القول والشعار، والارتماء وضوحا وعريا في العدمية والعبث، ما دفع أحد وجوه الحركة المعروفين إلى وصف الفعل بـ «الصبيانية»، لكن في نهاية المطاف لم تكن الخطوة نزوة فردية، إنما كانت تعبيرا عن الموقف الحقيقي لأوساط عدمية وظلامية صارت منذ فترة هي المتحكم الفعلي في الحراك الشبابي، والموجه الحقيقي لشعاراته ولمسالك المسيرات.
لم يقتصر الأمر هذا الأسبوع على جعل سقوف الشعار مثقوبة ومعلقة في السماء وفي الجنون وفي التيه، إنما بعض الآخرين اختاروا في مكان آخر امتطاء الحمير، وجعل هذا الحيوان الصامت ينوب عن «الثوريين الجدد» في التعبير عن الشعار والمطلب، وكأن العقول كلها نامت، والأجساد والضمائر أيضا، ولم تستيقظ إلا على ظهر حمار خرج على الناس يتولى الإعلان عن الثورة الصبيانية الجديدة.
الحركات النضالية ليست معصومة من الأخطاء والانحرافات، لكن التحولات التاريخية لا تصنع بالنزوات وبعقد الذات وبقصر العقل، كما أن المطالب والأشكال النضالية لا تحدد فقط بالإعجاب الشخصي أو بمشاهدة القنوات الفضائية أو بالتماهي مع ما يجري في بلدان أخرى.
اليوم يدرك عدميو 20 فبراير أن الارتباك حاصل بداخلهم، وأن الجدار منتصب أمامهم، ولذلك يصرون على تصعيد القول، والبحث عن «الحدث»، ولو من نافذة جنون، ولهذا الحراك الشبابي في حاجة اليوم إلى الإنقاذ.
البلاد تخوض حراكها الآخر بعيدا عن وصفات الدول العربية، وهي تقدم نموذجا للآخرين، وليس العكس، كما أنه لا يوجد نموذج يحتذى في الاقتتال وفي الدماء وفي مواقع الجنون، وشعبنا اختار أن يحمي أولا استقرار بلاده وأمنها وطمأنينة الناس، وبعد ذلك نمارس السياسة.
البلاد تركض اليوم لتحارب الفساد والمفسدين، ولتبني مؤسسات سياسية قوية وذات مصداقية، ولتكرس ممارسات ديمقراطية حديثة ومنتظمة في إطار دولة القانون، ولتعد شروط ربح رهانات التنمية والتقدم والتحديث…
هي كلها حراكات تتطلب التواجد في الميدان مع شعبنا وإلى جانبه، وتتطلب وضوح الرؤية والهدف والأسلوب، وتتطلب نفس النضال والعراك  والقبول بالديمقراطية كما هو متعارف عليها كونيا…
أما ممارسة الإسقاطات، بما فيها تلك التي تمتح من الجوانب والمشاعر الباتولوجية، فذلك ليس من مطالب شعبنا الذي يتنطع اليوم الكثيرون للحديث باسمه وبما يريد…

Top