تحولت السنة الأمازيغية مع دينامية الحركة الأمازيغية؛ من احتفال شعبي أسري يتقاسمه الناطقون بالأمازيغية وغير الناطقين بها في مختلف مناطق المغرب بل وفي كافة بلدان شمال إفريقيا، والذي كاد ينقرض بعد استقلال هذه البلدان؛ إلى احتفال مدني تم نقله من داخل أسوار المنازل إلى مقرات الجمعيات والمؤسسات وإلى الفضاءات العمومية خاصة في المجالات الحضرية، كما تم التعود على تنظيمه من طرف جمعيات وفاعلين أمازيغ في مجموعة من بلدان أوروبا وأمريكا الشمالية، حيث تتواجد جاليات أمازيغية من بعض دول شمال إفريقيا. إنها تمثل بالنسبة إلى ظاهرة احتفالية وبعدا بيئيا وحدثا تاريخيا وبعدا تقويميا ومطلبا سياسيا.
كظاهرة احتفالية، كانت بمثابة احتفال شعبي يعم مختلف مناطق المغرب وتختلف تسمياته باختلاف تلك المناطق.
وفيما يلي بعض تلك التسميات:
– “ئنّاير” (يناير)
– نّاير (شرق المغرب وبعض مناطق الجزائر حيث نجد أيضا تسمية “نّار”)؛
-“حاكًّوزا” أو حايكوزا أو حيكوزا (في بعض مناطق المغرب)؛
– “لحوادس” (الشاوية، ذكالة بالمغرب)؛
– “بّا شّيخ” (تاركَيست، قبائل صنهاجة، الريف)؛
– بيانّو (في بعض مناطق المغرب والجزائر)؛
-“تاكًّورت ن ؤسكًّاس” أو “تابّورت ن ؤسكًّاس(Porte de l’année) “، (خاصة في القبايل بالجزائر)؛
– “السنة الفلاحية” (في مقابل السنة الهجرية والسنة الميلادية / الإدارية والسنة العبرية)؛
– “ئض ن ؤسكَّاس” (ليلة السنة)
– “ئخف ن ؤسكَّاس” (رأس السنة، بداية السنة)
– “ئض ن ئنّاير” (ليلة يناير)؛
– “ئض ن ؤسكًّاس” أو “ئض سكّاس” أو “ئض ن ؤسكّاس أماينو” (مجموعة من مناطق المغرب وتعني الليلة التي تسبق فاتح السنة الأمازيغية الجديدة والتي يتم الاحتفال فيها بالسنة الأمازيغية الجديدة)؛
– “ئض ن تكَلاّ” (ليلة العصيدة)؛
– “ئض ن ؤكيمن” (ليلة حبوب الشعير والقطاني المطهية في قدر)؛
– “ئض ن ئفولّوسن” (أي طابق الدجاج البلدي أو الديك الحبشي أو “بيبي”)؛
– “ئض ن سكسو د زكزيو” (ليلة الكسكس وسبع خضر)؛
– “ئخف ن ؤسكَّاس
ومع دينامية الحركة الأمازيغية، سواء داخل المغرب أو خارجه أو سواء في بلدان شمال إفريقيا أو في الدول الغربية حيث توجد الدياسبورا الأمازيغية، أصبحت التسمية المتداولة والشائعة هي:
-“ينّاير” (مجموعة من مناطق المغرب)؛
– “ئض ن ؤسكًّاس أمازيغ” (أي “ليلة السنة الأمازيغية”)؛
– “ئخف ن ؤسكًّاس أمازيغ” (أي “رأس أو بداية السنة الأمازيغية”)؛
– “أسَّاس أماينو أمازيغ” (السنة الأمازيغية الجديدة).
كما يتميز هذا الاحتفال بتنوع الأطباق التي تعد بالمناسبة، بحسب اختلاف المناطق ووفق ما تتيحه بيئة تلك المناطق من محاصيل متوفرة أو مدخرة؛ ومن بينها ما يلي:
– “تاكَلاّ ن ئنّاير” أو”تاكلاّ ن ئض ن ئنّاير” أو “تاروايت ن ئنّاير” (ليلة العصيدة)؛
– “ؤركيمن” (حبوب الشعير والقطاني التي تطهى في قدر، الأطلس الصغير وتازناخت)؛
– “تاروايت” (الكسكس المليء بالقمح الذي يطهى في قدر مع مجموعة من حبوب القطاني الأخرى المتواجدة بالمنطقة، كما هو الشأن في مناطق وارزازات)؛
– “سّكسو د زّكَزيو” (الكسكس بسبع خضر)؛
– “سّكسو د توقّيرين” (الفواكه والخضر الجافة، الأطلس الكبير والصغير)؛
– “ئدرنان” (الرغائف، الأطلس الصغير)؛
– “تيغواوين” (الفواكه الجافة بشمال المغرب، الريف)؛
– “توقّيرين” (الفواكه الجافة)؛
– “رّفّيسا”، “تّريد”، “لمرقا”، “لكسكسو”، (خاصة في المناطق الناطقة بالعربية؛ أو حيث لا زالت بعض المناطق تحتفل طيلة ثلاثة ليال برأس السنة الجديدة: 12 و13 و14 يناير الإداري)؛
– “شّفنج” (في بعض مناطق المغرب ومنها تطوان)؛
-…
هذا إضافة إلى مجموعة من العادات والتقاليد والطقوس التي يمكن إجمالها في خمسة طقوس، وهي: “طقوس تحضيرية” و”طقوس تطهيرية” و”طقوس تغذوية” وبين “طقوس صيدلية” و”طقوس تجميلية”، و”طقوس رمزية”.. ومن العادات أيضا إخفاء نواة فاكهة في طابق العصيدة أو الكسكس، من أجل اعتبار من سيجدها، من بين أفراد العائلة، مسعود(ة) السنة أو غير ذلك مما يجعله/ها مباركا(ة) خلال السنة الجديدة الوافدة. كما يحث الأطفال على الأكل جيدا تفاؤلا بالوفرة خلال السنة الجديدة؛ وفي هذا الإطار تحدثنا الأسطورة عن إخبار الآباء الأطفال بأن عجوزا (حاكوزة أو حيكوزا) ستتفقد بطون الأطفال ليلا لتتأكد فيما إذا كانت بطونهم ممتلئة بالأكل وإلا ستبقرها لتملأها تبنا! كما لا تنسى النساء حق الكائنات غير المرئية (أصيفض)، التي تسكن في ضفاف العيون والغدران وفي المغارات وداخل الأطلال المهجورة وغيرها من الأماكن التي تثير الخوف في الإنسان، مما تم تهييئه من طبق بالمناسبة، وذلك درءا واتقاء من أي مكروه قد يصدر منها خلال السنة الجديدة.
وهذا يحيلنا على البعد البيئي للسنة الأمازيغية، إذ نلاحظ مما سبق، أن المحتفلين مرتبطون بالطبيعة عامة وبالأرض خاصة وبالبيئة بصفة أخص. فالاحتفال بالسنة الأمازيغية الذي يلتئم مع عز فصل الشتاء، يجد فيه الفلاح والراعي نفسيهما أمام ندرة كل شيء؛ لذلك يلجأ إلى تدبير هذه الندرة متكيفا مع أحوال وتغيرات الطبيعة والأرض، ويلجأ إلى التضامن مع الطبيعة في ندرة ما تجود بها في تلك الفترة من السنة وكذلك مع باقي من يتعايش معهم من الناس الذين يلجؤون إلى التوفيق بين أسلوبي التضامن وتدبير الندرة. توجد كثير من الحكايات والأساطير التي تدور مواضيعها حول هذه العلاقة الحميمية بين الإنسان والبيئة (الطبيعة والأرض) حفاظا على توازنهما، خاصة في هذه الفترة من السنة. وهذه العلاقة بين المحتفل بالمناسبة وبين البيئة تعبر عنها مجموعة من المعارف والقيم التي تتعلق بمختلف مظاهر الطبيعة وخلقت لديه وعيا تقليديا لهذه العلاقة تشكل منذ قرون من الزمن ولا زال يؤثر في سلوكه. وهذا يقودنا إلى الحديث عن البعد التاريخي للاحتفال بالسنة الأمازيغية.
فمن بين الدواعي التي كانت وراء نشأة الحركة الأمازيغية التي تبنت، من بين ما تبنت، مصطلح “السنة الأمازيغية”، كون مجموعة من مناضليها اكتشفت بعد أن التحقت بالمدن حيث التعليم الثانوي والجامعي، أن لغتها مهمشة في التعليم ومقصية من المؤسسات التعليمية والإعلامية والإدارية وأن ثقافتها وهويتها نالهما التبخيس والتحقير وتسيران في اتجاه الانقراض، وأن تاريخها أصابه التحريف والتزوير؛ فأخذت على عاتقها مسؤولية الحفاظ على ما يمكن الحفاظ عليه من جمع وتدوين ونقل لما هو شفوي حفاظا على الذاكرة، كما انكب الباحثون في مختلف التخصصات على نفض الغبار على تاريخ الأمازيغ الذين يراد لكل وافد، منذ الفينيقيين إلى الاحتلالات الأوروبية، على أنه أتى لإخراجهم من التوحش والوثنية إلى التحضر والتمدن. فاطلعت على ما كان للممالك الأمازيغية القديمة من حفاظ ودفاع عن أرضهم وهويتهم ضد الإمبراطورية الرومانية القاهرة في عصورها، وما كان لكثير من الأمازيغ من مناصب دينية وأدبية وفلسفية وعسكرية في تلك الإمبراطورية، كما كان لهم أيضا مناصب مماثلة، أيضا فيما بعد، في الفترة الأندلسية؛ بل وقبل ذلك بكثير استطاعوا، بكفاءاتهم السياسية والدينية والفلاحية والعسكرية والإدارية، أن ينقذوا النظام الفرعوني في مصر، حين ساد انحطاطه، لما يقرب من قرنين بدءا بإنشاء شيشونق للأسرة الثانية والعشرين في حوالي 950 قبل الميلاد، فأعاد إليها هيبتها ورقيها وخلدت أعماله في قصور الكرنك التي شيدها وفي التوراة التي ورد فيها تفصيل لإنجازاته السياسية والعسكرية والاقتصادية في إطار علاقات مصر الفرعونية وفلسطين في عهد النبي سليمان الذي جمعتهما المصاهرة (تزوج النبي سليمان بابنة شيشونق).
هذا الحدث التاريخي الموثق، والوارد مكتوبا في المآثر المصرية الفرعونية وفي التوراة، هو الذي جعل الحركة الأمازيغية تتخذه بداية تقويم زمني للتأريخ للذاكرة والهوية والحضارة الأمازيغية سواء تعلق الأمر بما بعد تلك البداية أو بما قبلها مما اكتشف أو سيكتشف من أحداث مرتبطة بتاريخ وثقافة وهوية وحضارة الأمازيغ. وهذا الحدث مقرون بتاريخ تأسيس شيشونق الأسرة الثانية والعشرين في سنة 950 قبل الميلاد، كما تم التوافق على ذلك حين تمت المواضعة عليه وكما اضطرت إلى ذلك كل التقويمات الزمنية التي عرفتها الأمم والشعوب والبلدان التي أصبحت لها تقويمات زمنية تؤرخ بها على أحداث ثقافتها وهويتها وحضارتها، بدء بحدث بعينه تم التواضع حوله بالضرورة. وبذلك تحول الاحتفال الشعبي الذي يدخر عادات وتقاليد وطقوسا وقيما لا زال الكثير منها مرتبطا بالثقافة والهوية والحضارة الأمازيغية عبر بلدان شمال إفريقيا، من مصطلح “السنة الفلاحية” إلى مصطلح “السنة الأمازيغية”، وبدأ الشروع في تحديث المناسبة وتثمينها من أجل إشاعة قيمها الإيجابية (تضامن، تدبير الندرة، ادخار، تدبير البيئة تدبيرا عقلانيا، إلخ…) واستبدال ما لم يعد ملائما مع العصر الحالي ومع تطلعات الأجيال المستقبلية. وبذلك نصبح في هذه السنة الميلادية: 950 + 2017 = 2967 كسنة أمازيغية موافقة لسنة 2017 ميلادية ولسنة 1438 هجرية ولسنة 5777 عبرية).
وبهذا نصل إلى ما تمثله السنة الأمازيغية من مطلب سياسي. المغرب ككثير من – إن لم نقل كباقي -بلدان العالم، يحتفل بأعياد دينية وأخرى وطنية – سياسية (أي مرتبطة بأحداث سياسية وتاريخية للبلد)، لكن كثيرا من هذه البلدان لها أعياد بيئية تكرس بواسطتها قيم ثقافتها البيئية لأجيالها المستقبلية وتخلق لديها تنشئة على تلك القيم البيئية. خاصة وأن إشكالات البيئة لم تعد تخص فقط الدول المصنعة، بل إن الدول السائرة في طريق النمو أشد ضررا نتيجة التغيرات المناخية. كما أن المؤسسات الدولية المعنية بالحفاظ على التوازن البيئي وعلى التوازنات المناخية، توصي، من بين ما توصي به، على الاهتمام بالمعارف التقليدية والمعارف الأدائية التقليدية للشعوب الأصلية، نظرا لما لتلك المعارف والمعارف الأدائية التقليدية من قيم إيجابية على أهداف الحفاظ على التوازنات البيئية. وقد انخرط بلدنا في هذه الاستراتيجية بتنظيمه للكوب 22 بمراكش في أواخر السنة المنصرمة. وفوق هذا وذاك فإن الدولة المغربية قد نصت في دستور 2011 على رسمية الأمازيغية لغة وثقافة وهوية وحضارة، كما وافقت على مجموعة من المعاهدات والاتفاقيات الدولية المتعلقة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية واللغوية والثقافية والبيئية التي تجعل مطلب اعتبار “السنة الأمازيغية” عيدا وطنيا بيئيا، ويوم عطلة، اعترافا للمرأة المحافظة على العادات والتقاليد والطقوس المحايثة والمميزة لثقافتنا وهويتنا وحضارتنا، وللفلاح الحريص على عدم الإخلال بالتوازنات البيئية.
وكل سنة أمازيغية جديدة ومغربنا في مزيد من الأمن الثقافي وفي مزيد من السلم الاجتماعي.
* الكاتب العام بالنيابة للجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي
> بقلم: الحسين أيت باحسين *