الراشيدية: بدو في رحلة “الشتاء والصيف” بحثا عن الكلإ لماشيتهم

اعتبر الرحل منذ أزل بعيد ذلك الوعاء الثقافي والفكري والحضاري الذي كان وما يزال محط اهتمام الباحثين الأجانب. فعند ذكر كلمة” البادية” يتبادر للذهن عادة معنى الصحراء القاحلة بكثبانها الرملية المتحركة وسهوبها الشاسعة، التي لا تكاد ترى فيها للنبات أثرا أو تسمع للحياة نفسا، فالبدو هم الرحل الذين قست عليهم الحياة، يعيشون حياة الترحال الدائم سعيا وراء الكلأ والماء لقطعانهم التي تمثل مصدر رزقهم الوحيد. “بيان اليوم” قامت برصد جانب من حياة الرحل بالجنوب الشرقي، وبالضبط رحل منطقة “بوسعيد” المنسية، الفاصلة بينها وبين الراشيدية 20 كلم، هناك وراء الجبال الشاهقة في الخلاء، التقت بيان الجريدة “على وحدي” رجل طاعن في السن إلا أنه صلب العود، قوي الساعد، بوجه المغطى باللثام الذي تركت مشقة الترحال آثارها عليه، استقبلنا بحفاوة هو وأسرته الصغيرة المكونة من زوجته “يطو موحا” وأبنائه الستة الذين لا يتجاوز عمر أكبرهم الثانية عشر سنة. قبل دخولنا عتبة الخيمة، توقفت قليلا إذ لفت انتباهي ذلك الشق الإبداعي للخيمة والتي يطلق عليها اسم” تاخمت” بأثاثها الخارجي والداخلي وكذا طريقة نسجها والمواد المعتمدة في ذلك. وخلال تبادل أطراف الحديث مع هذه الأسرة البسيطة في عيشها العميقة في أسرارها، انبرت السيدة “يطو” تلك المرأة المكافحة التي ترك ثقل الأيام والسنين أثرا كبيرا على وجهها، للإجابة عن تساؤلاتي حول “الخيمة”، مبرزة، انها تصنع من مزيج من الصوف والذي يتعارف على اسمه بـ “تادوط” أي الصوف، مشيرة إلى أن حجم هذه الخيمة حسب غنى الأسرة ومقدار ما تملكه من الغنم كمصدر للمادة الأولية، والخيمة تضم “تاستوت” وهو مكان لوضع أغراض المطبخ وغيرها. تقول “يطو” إن حياة الرحل صعبة وقاسية، وتتولى المرأة  فيها مهام الاعتناء بأمور الخيمة وأحيانا تقوم بنفسها برعي قطعان الماشية، أما قطيع النوق إن كانت تملكه العائلة، فتتركه يسيح في المراعي. وتضيف هذه المرأة البدوية، أنه بالإضافة إلى الأعباء الخارجية، تقوم كذلك بمهام البيت من طبخ وجلب الماء في كل صباح. أما زوجها السيد “علي” فتحدث عن الوضعية المزرية التي يعيشها مع أسرته الصغيرة، موضحا، أن قساوة الظروف دفعته للرعي والترحال، لاسيما، بعدما توفي والده الذي ترك له بعض قطعان الماشية يتجول بها في الأرض بحثا عن معيشة أفضل، مشيرا، إلى أنه مع توالي السنين، أسس بدوره أسرة من أجل الاستقرار اجتماعيا، مؤكدا، أنه رغم تغيّر طريقة حياة معظم من يتبعون هذا النمط في المعيشة إلا أنّهم استمروا بشكل كبير جداً في اتباع العادات والتقاليد ذاتها التي كانت متبعة منذ القديم من الزمان. وتابع المتحدث كلامه، أن حياة الرحل قاسية جدا، مبديا أسفه عن حرمان أبنائه من الذهاب للمدرسة لتأمين مستقبل أفضل، مشيرا في خضم كلامه إلى أنه يقضي يومه كله خارج “تاخامت” يسوق القطيع مسافات طوال بحثا عن الكلأ، وأن ابنه البكر “يحيا” الذي لا يتجاوز12 سنة ينوب عنه في رعي القطيع، حين يسافر إلى السوق الأسبوعي بالراشيدية للتسوق أو لبيع خروف وجلب العلف ومستلزمات “الخيمة”. مع الأسف يقول “علي” لا أحد يبالي لمعاناة الرحل اليومية وما يقاصونه متنقلين في الفيافي بخاصة مع تنامي ظاهرة التصحر.
بهذه الطريقة التقليدية تدبر أسرة “علي” أمورها في صراعها التفاعلي مع الطبيعة، فإذا كانت السنة مجزأة إلى أربعة فصول، فكل يوم بالنسبة إلى هذه الأسرة، فصل مستقل، عن اليوم الآخر، عليها أن تواجهه وتعد له العدة اللازمة.
ويعيش الرحل في صراعهم مع الطبيعة حياة متقلبة بين شرها وخيرها، زادهم الوحيد ماشيتهم التي توفر لهم الألبان واللحوم يعيشون عليها، ومن شعرها وصوفها يلبسون وينسجون خيامهم، ومن أجلها يخوضون رحلة الشتاء والصيف بحثا عن المراعي، وذلك كله في احترام تام لأعرافهم التي يقدسونها، وهي لهم بمثابة دستور.

 فاطمة الهورشمت

Top