قالت بسيمة الحقاوي، وزيرة التضامن والمرأة والأسرة والتنمية الاجتماعية، مساء الجمعة الماضي بالدار البيضاء، إن الإنسان المغربي مازال يعيش حالة من التنافر المعرفي والسلوكي فيما يتعلق بالعلاقة بين المرأة والرجل في المجتمع، حيث تجده موزعا بين الوعي الذي بدأ يتبلور لديه في السنوات الأخيرة بشأن حقوق المرأة وضرورة احترام مكانتها، وبين الثقافة والتربية التي تلقاها منذ قرون، وذلك ما يجعله “باغي وما قادرش” على المساواة، بحسب تعبير الوزيرة.
واعتبرت الحقاوي، في معرض تعليقها على نتائج البحث الوطني عن “عشر سنوات من تطبيق مدونة الأسرة: أي تغيرات في تمثلات ومواقف وممارسات المواطنات والمواطنين؟”، أن هذا التنافر امر طبيعي بالنظر إلى طبيعة “المرحلة التحولية والانتقالية” التي يعيشها المجتمع المغربي على مختلف المستويات، مشيرة أن إقرار مدونة الأسرة شكل حدثا “تاريخيا جريئا” في هذا الصدد، بحيث مكنت المدونة من تقديم أجوبة على كثير من المشاكل والانتظارات المعبر عنها في المجتمع المغربي في إطار التغيرات التي تعرفها حاليا العلاقات الأسرية والاجتماعية وأساسا العلاقات بين المرأة والرجل. وقد مكنت المدونة بالتالي، تقول الوزيرة، من إحداث “ثورة عذبة” في المجتمع المغربي، بحيث لا يمكن تجاهل الأثر الذي كان للمدونة في تحقيق مستوى أفضل من المساواة بين المرأة والرجل داخل البيت الأسري كما تعبر عن ذلك نتائج البحث الوطني. وأضافت أن هذا البحث، الذي أجرته الوزارة بتعاون مع هيئة الأمم المتحدة للمرأة بالمغرب، وأعلنت عن نتائجه في يوليوز الماضي، وجمعت نتائجه ضمن كتاب تم تقديمه يوم الجمعة ضمن فعاليات الدورة 23 للنشر والكتب بالدار البيضاء، جاء بعد فترة كافية من التطبيق، لتشخيص التأثيرات التي أحدثتها المدونة وكذا معرفة الملاحظات التي تسجل عليها. وأكدت الوزيرة، في هذا الصدد، أن النتائج والملاحظات المسجلة، أضحت كافية لتدفع الحكومة إلى الانكباب على عملية إعادة النظر في المدونة بتحيينها وإصلاحها، وذلك من خلال اشتغال الوزارة بتعاون مع وزارة العدل وبتشاور مع الخبراء وذوي الاختصاص، من أجل الارتقاء بالمدونة إلى مستوى أفضل، صياغة وتطبيقا.
وذكرت الوزيرة، في نفس السياق، بعدد من المبادرات الحكومية التي واكبت تطبيق المدونة وماتزال، من أجل إعمال روحها وتفعيل بنودها، وذلك في مجالات تعزيز قوانين حماية المرأة والأسرة ومكافحة العنف والتمييز.
من جهتها، اعتبرت الباحثة رجاء ناجي مكاوي، أن الوقت قد حان لطرح أسئلة جوهرية حول مدى تمكن المدونة بالفعل من الإسهام في استقرار الأسرة المغربية من عدمه. وأعتبرت الباحثة، في مداخلة بالمناسبة، أن الأسرة المغربية “مريضة جدا”، مؤشرة على ذلك برقم مخيف هو 60 ألف طلاق في السنة، بحيث “لم يعد للميثاق الغليظ للزواج قوته، ولا للطلاق سمعته السيئة، ولا للمحكمة هيبتها التي كانت تمنع الأسر من التوجه إليها لفض النزاعات”. وأضافت مكاوي أن المجتمع ليس بحاجة إلى “مزيد من الأقفال” القانونية التي تضيق الخناق على العلاقات بين أفراده وأسره، بقدر ما “نحن في حاجة ملحة إلى البحث عن الأسباب الحقيقية التي تسبب التردي القيمي والعلائقي” بين المواطنين والمواطنات، وتعمل على تصحيح التصورات الخاطئة وتوعية المواطنين بما يفضي إلى علاقات تضامنية وسلوكات تحترم كرامة جميع أفراد المجتمع. واشارت المتدخلة أن المدونة جاءت لتساعد على هذا التوجه ولكن الحاجة ماسة حاليا إلى “آليات حقيقية” لتطبيق مقتضيات النص، وإلى تظافر الجهود والإرادات ضمن مقاربة شمولية ومتعددة التخصصات لرأب الصدع الذي تعاني منه الأسرة والمجتمع.
يشار أن نتائج البحث الوطني الذي شمل 1200 شخص أجابوا عن حوالي 45 سؤالا، كشفت أن 50 في المائة من المستجوبين هم مع المساواة في الحقوق والواجبات بين الزوجين، وأن 22.7 منهم يعتبرون أن مدونة الأسرة ساهمت في تحسين العلاقة بين الزوجين، و72.6 في المائة يرون القرارات داخل الأسرة ينبغي أن تتخذ من طرف الزوجين معا. واعتبر 69.7 في المائة من المستجوبين أن مساهمة المرأة في الإنفاق أمر إيجابي، إلا أن 36 في المائة من هؤلاء يرون أن مساهمتها لا تمنحها حقوقا إضافية داخل الأسرة، بل هي مجرد تطوع.
وأفاد البحث أيضا بأن 53.5 في المائة من المستجوبين يقرون بأهمية مساهمة الزوج في الأعمال المنزلية، وأن حوالي نصفهم هم مع توزيع الأدوار في الأسرة بناء على الجنس. ويرى 68.8 في المائة من المستجوبين أن الرعاية المشتركة للأطفال تعني الزوجين معا، مقابل 24 في المائة يعتبرون أن كل واحد من الزوجين مسؤول في مجاله، في حين 53 في المائة يرون أن “الرعاية المشتركة” تمس بسلطة الزوج.
سميرة الشناوي