تأملات: خريبكة يا خريبكة فين عشاك الليلة

خريبكة هذا النص الثقافي المستعصي على التفكيك والتأويل، خريبكة ذاكرة مكان بني على العديد من الثنائيات الضدية، ثنائيات الهجرة القانونية ولحريك، ثنائية السيارات الفخمة غير الموجودة حتى في مدن مغربية كبرى وسيارات تعود إلى بداية الصناعة الفرنسية والتي لا زالت تجوب المدينة مثل (رونو أربعة)، والتي لا زال كاتب هذا النص يمتلكها بحنين قوي، خريبكة هذا النص الذي امتلكني بنوع من الغرابة، كلما أردت قطع الصلة معه في اتجاه البحث عن أمكنة أخرى أطور فيها ذاتي المتلهفة والعاشقة للحظات ومساحات ثقافية أرحب وأوسع، كلما شعرت أن هناك علاقة ود تأسست بيني وبين فضاءاتها وهي العلاقة التي سيتم تفكيكها في رواية ستنبش في ذاكرة الفوسفاط والهجرة والرفاق والمقاهي، رواية أنا بصدد الاشتغال عليها، الكثير من الرفاق والأصدقاء والمسؤولين وافراد عائلتي، هم الآن يصارعون ذاكرتي من اجل احتلال وظيفة شخصية ما في هذا البناء الروائي، خريبكة التي كلما دافعت عنها في كل الأمكنة التي أزورها في سياقات علمية أو ثقافية أو سينمائية كلما قيل لي ماذا تفعل هناك؟ كلما حاولت شرح ما تنهض عليه المدينة من إمكانات كلما قيل لي انك تحلم!    (خريبكة حالف ما نخطاك حتى نموت حداك) حبة من حبات العيطة الشعبية التي يرويها الراوي الشعبي، تزنزن في ذاكرتي بقوة، بجانب رغبة أخرى، تنخر عظامي، من اجل الرحيل إلى فضاءات أوسع حيث البحث عما يروي عطشي في الكتابة وخلق المزيد من جسور الحراك الثقافي. رحم الله وأطال عمره وادخله لجنانه الفسيحات هذا العقل البشري، مهما كانت معتقداته، الذي اخترع الحاسوب والانترنيت. فبواسطة هذه الآلة التي أصبحت أتأبطها كل يوم متجولا بها  داخل وخارج بيتي متواصلا بها مع العديد من دور النشر والمجلات والجرائد والمهرجانات والملتقيات الثقافية داخل وخارج ارض الوطن، بفضل هذا الحاسوب بدأت إذن تتبخر قيمة الأمكنة، فمن زاوية صغيرة في بيتك أو من زاوية مقهى وأنت تحتسي قهوة الصباح أو المساء، وبلمسة يد تمتلك العديد من الأشياء. لكن يبقى للمكان، وعلى الرغم، من هذا شبقيته وسلطته كما يقول باشلار، الذي يذهب إلى الأبعد حينما يحول المكان إلى شخصية دالة.

وتبقى الرغبة قوية في فهم أبعاد وميكانزمات وكيفية امتلاك بعض المفاتيح لمعرفة ما الذي يجري وينبغي أن يجري هنا بمدينة عرفت بالفوسفاط المحمل كل لحظة إلى حد أن إيقاعات القاطرات أصبح إيقاعا به تخلق الساكنة علاقات الأنس مع بيوتها بل به يعد ويضبط، البعض، زمن تمدرسه وعمله بجانب (الزواكة) التي كان لصهري الحاج بوشتى رحمه الله شرف دق جرسها أيام الاستعمار الفرنسي هنا بخريبكة، وبالضبط أثناء شهر رمضان بعدما احتج الفقهاء بالمدينة على المسؤول الفرنسي الذي كان يعلن عن الآذان، فكان للفقهاء ما أرادوا، فكان رحمه الله يستعد للذهاب إلى مكان (الزواكة) صحبة احد أبنائه بل كلما رأوه الصبية خارجا من بيته وهو يرتدي جلبابه الأبيض، كلما امسكوا بلحظة فرح لان ذلك يعني لهم أن لحظة الإفطار قد أوشكت، هي خريبكة التي تنهض أمكنتها على العديد من الأسرار والغرائب، شخصيا عاشرتها بدءا من سنة 1987شاءت الأقدار أن أتخرج من المدرسة العليا للأساتذة بالبيضاء محتلا الصف الثاني، مما يعني إنني دخلت رتبة اختيار أي مدينة ارغب في العمل بها، فكان في البدء اختيار مدينة مراكش التي شربت مياهها في بداية الستينات وعلمتني دهشة المكان لكن لفعل اجتماعي قررت تغيير ورقة الرغبات، فكانت ارض العامريات هي التي جرتني إليها خصوصا وأنها قريبة من ارض سيدي عبدالعزيز، ارض المقاومة وارض (دويدة وحدو قتل ميات عدو)، وادي زم التي شرفها الشاعر الإفريقي بقصيدة ترتعش لها الأبدان والقلوب، والتي سنعود لها يوما ما. 
* إشارة: مقطع من نص طويل

Top