عند اقتراب أي موعد انتخابي، تخرج أصوات وجهات تنادي بمقاطعة الانتخابات.
وفي حين يمكن تفهم مواقف هيئات وتيارات سياسية وحزبية بهذا الخصوص، واعتبار ذلك وجهة نظر أو إحدى أدوات التعبير عن احتجاج سياسي ما، فإن بعض الشطحات التي تعرض ذاتها هذه الأيام عبر مواقع التواصل الاجتماعي تكاد تكون عبارة عن عدمية بدائية وطفولية، أو أنها نفسها من ضمن أدوات لجم أي تغيير أو إصلاح في البلاد.
لن نستحضر فقط هنا المضمون الحقوقي والديموقراطي للتصويت والمشاركة في تدبير الشأن العام، ولن نذكر بأن هذا الحق متعارف عليه كونيا ونص عليه الإعلان العالمي لحقوق الإنسان منذ 1948، ولن ندفع، ترتيبا على ذلك، بحق شعبنا في التعبير عن رأيه واختيار ممثليه، ولكن، علاوة على كل ما سلف، سنؤكد على خطورة الترويج لكلام غير مسؤول يجر بلادنا كثيرا إلى الخلف على صعيد بنائها الديموقراطي والعلاقات بين مؤسساتها والفصل بين السلط.
من جهة ثانية، من يدعو اليوم إلى نشر اللامبالاة والعدمية بشأن الانتخابات والمشاركة في التصويت، هو يمارس لعبة غير بريئة، وبواسطتها يخدم أجندات معروفة من شأنها عرقلة الإصلاح في بلادنا.
بحسب تجارب محطاتنا الانتخابية السابقة، فإن التيارات الدينية تحافظ، في الغالب، على قاعدة مصوتين وحشود تمتلك ارتباطا عقديا مع مرشحيها، وتتم تعبئتهم على هذا الأساس، ثم هناك محترفو شراء الأصوات ولوبيات الفساد والريع والارتزاق، وهي تقوم بتوفير ميزانيات ضخمة لشراء الأصوات وتوظيف» الشناقة»، وبالتالي التفريط في ممارسة حق التصويت، والامتناع عن الذهاب إلى مراكز الاقتراع، يستهدف أساسا مرشحي النزاهة والجدية، أي قوى الإصلاح والتغيير.
يعني هذا، أن لعبة الشعبوية البدائية والطفولية المنتشرة هذه الأيام، وخصوصا عبر مواقع التواصل الاجتماعي، قد تكون لعبة جديدة من ألاعيب التيارات والأوساط المستفيدة منها، أو التي من شأن الإقبال الشعبي المكثف على التصويت أن يضر بمصالحها الانتخابية.
وفِي سياق هذه اللعبة المكرورة، يتحرك بعض الذين يسمون»مؤثرين»أو»مؤثرات»، وكان قد جرى النفخ فيهم في مناسبات عديدة من قبل، واليوم انضموا إلى دائرة المنخرطين في اللعبة إياها، وعدد منهم يحركهم هاجس تصفية هذا الحساب أو ذاك، أو أنهم يعانون من توقف» العلف»عنهم أو»النفخ» فيهم، وهم يعرضون» السيفي» من جديد طلبا للتوظيف، وفِي كل الأحوال جميعهم يفضحهم قصور نظر بارز في كتاباتهم أو تعليقاتهم، وافتقارهم للمعرفة، مقابل ارتهان مرضي واضح لأنانية صبيانية، وكونهم لا يرون البلاد والسياسة والأشياء إلا باللون الذي يرضي مزاجيتهم وحاجتهم، ولا يعرضون أي تصور لمستقبل البلاد أو بديل موضوعي للواقع.
ما معنى اليوم أن يروج بعض هؤلاء الصغار أو المنخرطين في لعبة الأجندات للمقاطعة، فقط من خلال نقد إطلاقي وسطحي للأحزاب، ولا يهتمون مثلا لا بالقوانين الانتخابية ولا بسلوك الإدارة والسلطات؟ ما معنى التركيز بشكل مرضي على القوى الديموقراطية والتقدمية دون سواها، ومقاربة واقعها منفصلا عن تاريخها أو عن المسار التاريخي للصراع السياسي في بلادنا؟ وما معنى اختصار الانتخابات والعملية الديموقراطية برمتها في صراع أشخاص؟ وما معنى مقاربة كل هذه المواضيع السياسية من دون معرفة أو إلمام ونشر السطحية حد اعتبار الرشوة الانتخابية إحسانا مشروعا وعملا اجتماعيا مبررا في فهم هؤلاء؟
شعبنا مقبل على استحقاقات انتخابية لن تكون كسابقاتها، وأوضاع بلادنا ومحيطها الإقليمي والدولي تطرح أمامها اليوم عديد تحديات، ومن ثم ضروري السعي لكسب الرهان الديموقراطي، وتمكين بلادنا من مؤسسات ذات مصداقية ونجاعة وفاعلية، وتستطيع الإسهام في تقوية نفس ديموقراطي واسع، وتعزيز مسار التنمية، وأيضا الاستقرار وتعبئة المجتمع حول القضايا الوطنية الكبرى.
لكل هذا، يجب على شعبنا وشبابنا الإصرار على حق التصويت والمشاركة في الانتخابات، والتعبير عن الرأي الشعبي، والبداية يجب أن تكون هذه الأيام من خلال التسجيل في اللوائح الانتخابية ومراقبة السير العام لهذه العملية.
إن التمسك بالحق في التصويت هو، في نفس الوقت، رفض لأن يمارس أحد آخر هذا الحق بدلا عنا، ورفض لترك المكان فارغا لكي يستطيع الآخرون ممارسة اختيارات سياسية لم نعبر عن رأينا فيها.
الانتخابات، مناسبة لنعبر عن رأينا، ولنقول كلمتنا، ولنختار من يمثلنا، فلنشارك إذن، ولنتمسك بحقنا ولا نتنازل عنه أو نفرط فيه أو نبيعه.
<محتات الرقاص