مع كل دخول مدرسي يفتح الجدل حول الهندام المدرسي الموحد. بين من يؤكد ضرورة توفره لدى كل التلاميذ. وبين من يعتبر الأمر تدخلا في حريتهم الشخصية. وبين من يناقش جودة ثوب الهندام وتأثيره الصحي والنفسي على التلاميذ. وبين فئة رابعة تضع شروطا ومعايير خاصة لكيفية تصميم الزي الموحد، لملاءمته مع ثقافة وعقيدة كل أسرة مغربية. ظلت الوزارة الوصية، على مدى عقود، مترددة في قراراتها اتجاه موضوع الزي الموحد. واتضح ذلك جليا مع كل دخول مدرسي. حيث تتأرجح قراراتها بين الحزم والعزم والدعم واللامبالاة. و تركت الحسم في ملف الزي الموحد لإدارة كل مؤسسة تعليمية، بمساعدة جمعيات الآباء والأمهات وأولياء أمور التلاميذ. وهي العملية التي لاقت وتلاقي صعوبات كبيرة في تطبيقها.لاعتبارات مختلفة. في مقدمتها الجوانب المالية والعقائدية للأسر.
وتتعد الأسباب التي تزيد من ارتفاع عدد المطالبين بفرض الزي الموحد داخل المدراس الابتدائية والثانوية الإعدادية. أو على الأقل فرض ارتداء الوزرة «الطابلية». فقد تحول حرم ومحيط المؤسسات التعليمية إلى ما يشبه ساحات عرض الأزياء و»الأكسسوارات»، حيث يتفنن التلاميذ والتلميذات في إبرازها للتباهي والتنافس بينهم. كما استفحلت ظواهر غريبة وشاذة وسط التلاميذ. منهم الذين بدؤوا يبدعون في طرق حلقهم للشعر، و في اقتناء محافظهم ومستلزماتهم التربوية والرياضية.
الفشل في تطبيق مذكرات وزارية تمنع إدخال الهواتف المحمولة والأجهزة السمعية إلى حرم المؤسسات التربوية. كما عجزت الوزارات المتعاقبة عن فرض الزي المدرسي الموحد داخل كل المؤسسات التعليمية. الكل يتذكر مبادرة اقتناء الآلاف من البذل وتوزيعها مجانا على أبناء وبنات بعض الأسر المعوزة. والكل يتذكر المذكرة الوزارية رقم 93 الصدارة بتاريخ 19 يونيو 2009، والتي تنص على إجبارية الزي المدرسي الموحد. لكن المذكرة والقرارات والمبادرات الوزارية جوبهت بالعصيان. حيث رفض مجموعة من الآباء فكرة اقتناء ألبسة موحدة لأبنائها وبناتها، لأسباب مادية أو بسبب ندرة الأقمشة المختارة والمضاربات التجارية.
في غياب الالتزام التام والكامل بما يفرضه حرم المؤسسات التعليمية من انضباط وجدية، يعاني المدرسون والأطر الإدارية يوميا من مظاهر مخلة بالتقاليد المغربية وبالحياء، «أبطالها» تلاميذ منشغلون باستعراض الألبسة والتباهي والإثارة داخل ساحات وفصول المؤسسات التعليمية، وتلميذات يتسللن داخل المؤسسات بدون «طابليات» وبألبسة مخلة بالحياء. بعضهن يحولن ساحات المؤسسات التعليمية إلى فضاءات للتحرش الجنسي. كما تحول محيط المؤسسات التعليمية، وخصوصا الثانويات الإعدادية والتأهيلية منها، إلى «كورنيش» للشباب الغرباء، الذين باتوا ينتظرون بسياراتهم ودراجاتهم النارية خروج التلميذات في فترات الظهر والمساء للتحرش بهن أمام أعين المدرسين والمدرسات. بل إن بعض الثانويات أصبحت ساحاتها امتدادا للشارع والحدائق المجاورة لها، بسبب ضيق تلك الساحات، التي تكتظ بالتلاميذ والتلميذات خلال فترتي الاستراحة وما بين فترتي الصباح والمساء.
يعتبر المدرسون أن الزي الموحد يمكن من التعرف على التلاميذ وتمييزهم عن الغرباء، ويساعد عناصر الأمن الوطني والدرك الملكي في عملية فرز الدخلاء، الذين يقضون النهار في التجوال في محيط المؤسسات التعليمية. كما يجعل التلاميذ مراقبين حتى خارج المؤسسات التعليمية وأثناء تنقلهم بين منازلهم ومؤسساتهم التعليمية. بل إن العديد من المدرسين أكدوا أنهم يجدون حرجا كبيرا في مخاطبة بعض التلميذات داخل الفصول الدراسية، بالنظر إلى طريقة لباسهن وجلوسهن و»ماكياجهن». علما أن مجموعة منهن تخرجن من منازلهن بوزراتهن، لكن ما أن يبتعدن عن منازلهن حتى يقمن بإخفائها داخل محافظهن، ليتجردن من صفة التلميذات، ويظهرن بمظاهر فتيات عاديات في الشوارع.. كما أن المدرسين يجدون صعوبة في ردعهن عن انحرافهن، بحكم أن طردهن من حضور الحصص الدراسية سيحرمهن من التحصيل وسيقودهن إلى الرسوب وربما إلى الطرد، وهو ما سيجعلهن يحترفن الفساد والانحراف الأخلاقي.
بات واضحا ضرورة اعتماد الهندام المدرسي من طرف التلاميذ والأطر الإدارية والتربوية، حفاظا على حرمة تلك المؤسسات ووظيفتها التربوية الصرفة، والمبنية أساسا على تكافؤ الفرص والتصنيف الأدبي والعلمي والمهاراتي. رغم اختلاف العديد من الفاعلين والمهتمين بمجال التربية والتعليم حول نوعية الزي المدرسي «المحترم» والذي لا يتعارض مع إمكانيات الأسر المادية وتقاليدها ويعوض التلاميذ عن الملابس العادية، سواء في مواجهة التغيرات الطبيعية أو في تأدية واجباتهم المدرسية وفق الشعب والمناهج المختارة. عدد البعض مزايا الزي المدرسي الكامل، باعتبار أنه يزيل الفوارق الطبقية ويحد من مظاهر التباهي والإخلال بالحياء من طرف التلاميذ، فيما يرى البعض الآخر صعوبة تعميم العمل بالزي الموحد داخل كل المؤسسات التعليمية، بسبب الإمكانيات المادية للأسر، مبرزين أن على كل أسرة شراء أربعة بدل مدرسية على الأقل «اثنتان خلال الأيام الممطرة والباردة واثنتان للأجواء الدافئة والحارة»، علما أن الوزارة الوصية حين فرضت الزي الموحد في بداية الموسم الدراسي «2009 -2010» بادرت إلى توزيع زيين مدرسيين فقط على كل تلميذ من أبناء الأسر المعوزة، وهي غير كافية. علما أن الوزارة أوقفت تلك المبادرة خلال باقي المواسم الدراسية. ولم يعد لها أدنى اهتمام بموضوع الزي الموحد، كما أغفلت حتى موضوع الوزرة المفروض أنها تدخل ضمن عتاد التدريس الواجب على التلميذ والأستاذ على حد سواء.
بقلم: بوشعيب حمراوي