يتناول كتاب «مقدسات ومحرمات وحروب: ألغاز ثقافية» لـمؤلفه «مارفين هاريس» بعض من الأعراف المحيرة بين الشعوب الأمية أو البدائية، والتي تبدو ألغازا عصية على الحل، بل وتحيل على الجهل والخوف والتناقض كعناصر أساسية تشكل الوعي اليومي.
امتناع الهندوس عن أكل لحم الأبقار، أو كره اليهود، والمسلمين، أو لماذا يؤمن بعض الناس بالمخلصين بينما يؤمن آخرون بالساحرات، هي صورة في ما لا يعد ولا يحصى من أوهام مكتسبة واسعة، تعزز قناعتنا الأعمق بالكيفية التي يتحتم من خلالها أن يتصرف وفقها أناس بعقلياتهم الشرقية المبهمة.
بيان اليوم تقدم لقرائها بعض من هذا الإصدار الممتع ضمن حلقات رمضانية.
عصي المكانس ومجمع السحرة
“الأتروبين” الفاعل في مراهم السحرة
كان هارنر قد جمع عددًا من مثل هذه التجارب المذكورة مع المراهم، بما فيهم السحرة أنفسهم. غطّ جميع الأشخاص في نوم عميق، وعند استيقاظهم أصروا أنهم كانوا بعيدين في رحلة طويلة. وهكذا عرف سر المرهم كثير من الأشخاص الذين عاشوا في زمن جنون السحر على الرغم من أن المؤرخين العصريين يميلون بشكل عام إلى نسيان هذه المرحلة أو التقليل من شأنها وأفضل بيان لشاهد عيان على هذا الموضوع كان قد أجراه أحد زملاء غاليليو، جيامباتیستا ديلا بورتا الذي توصل إلى تركيب مرهم يحتوي على البيلادونا.
حالما انتهى من تركيب المرهم قمن بدهن جزء من الجسم، بعد أن فركن أنفسهن جيدًا، حيث بدون متوردات… وهكذا وفي بعض الليالي المقمرة اعتقدن أنهن خُطفن إلى مآدب وحفلات رقص وموسيقى وجامعن رجالا أصغر سنا من الذين كانوا مرغوبين من معظمنا كانت قوة التخيل وظهور الصور من الضخامة حيث إنّ الجزء من الدماغ الذي يدعى الذاكرة يكون مملوءًا بهذا النوع من الأشياء؛ وبما أنهن أنفسهن، بوساطة الميل الطبيعي، كن ميالات إلى الاعتقاد، تمسكن بالصور بطريقة أنّ العقل نفسه تغيّر ولم يفكر بأي شيء آخر، لا في الليل ولا في النهار. اعتقد هارنر الذي كان قد درس استعمال الشامان (الأطباء السحرة) بین هنود الجيفارو في البيرو للمواد المهلوسة، أنّ عامل الهلوسة الفاعل في مراهم السحرة كان الأتروبين شبه القلوي الفاعل الموجود في بعض النباتات الأوروبية مثل اللفاح والبنج والبيلادونا أي (السيدة الجميلة) أو الباذنجان القاتل والسمة البارزة للأتروبين أنه امتصاصه أنه يجري من خلال الجلد السليم. والميزة التي يُستفاد منها هي في لصاقات البيلادونا الجلدية لتسكين الآلام العضلية. وعمل بعض المجربين الحاليين على إعادة تركيب مراهم السحرة استنادًا إلى التراكيب المحفوظة في الوثائق القديمة أشارت إحدى الجماعات في مدينة غوتنغن الألمانية إلى حدوث الوقوع في النوم لمدة أربع وعشرين ساعة حلموا خلالها بـ مطايا برية ورقص خلاعي ومغامرات أخرى عجيبة من النمط المرتبط بالعربدة في القرون الوسطى. تحدث مجرب آخر بالكاد استنشق دخان البنج عن الإحساس المجنون بأنّ قدمي تصبحان أخف وتتسعان وتنفصلان بصورة حرة عن جسدي… وفي الوقت نفسه شعرتُ بإحساس ثمل بالطيران». لماذا العصا أو المكنسة لا تزال تُرى بين سيقان السحرة المعاصرين في عيد جميع القديسين؟ وفقا لهارنر، إنها ليست سوى رمز قضيبي: إنّ استخدام العصا أو المكنسة كان من دون شك أكثر من عمل رمزي فرويدي إنّه بمنزلة أداة لدهن النبات الذي يحتوي الأتروبين على الأغشية المهبلية الحساسة، علاوة على الإيحاء بالركوب على الجواد، الوهم النموذجي الركوب السحرة إلى مجمع السحرة.
إن كان تفسير هارنر صحيحًا، فإنّ معظم اللقاءات «الحقيقية» مع الشياطين شمل اختبارات الهلوسة كان المرهم يدهن دوما قبل ذهاب السحرة إلى الاجتماع بالشياطين وليس بعد أن يصلوا إلى هناك أبدًا. ذلك أنّ كل ما يكمن وراء القرار البابوي باستخدام محاكم التفتيش لاستئصال السحر، لم يكن تزايد شعبية الاجتماعات مع الشياطين فالذي حدث بالطبع، هو أن أشخاصا كثرا بدأوا ينطلقون. أنا لن أستبعد هذا الاحتمال لكن محاكم التفتيش لم تكن على الإطلاق مهتمة بتحديد هوية السحرة على قاعدة امتلاكهم للمراهم.
لم يذكر كتاب مطرقة الساحرات سوى القليل عن هذا الموضوع). يبدو لي على الأرجح، وبناء على ذلك، أنّ معظم السحرة «الحقيقيين» – المرتحلين المعتادين – لم تُحدَّد هويته قط، وأنّ معظم الأشخاص الذين تم حرقهم لم يرتحل قط.
ألقت مراهم الهلوسة الضوء على الكثير من الميزات الخاصة بالمعتقد السحري. وبين التعذيب انتشار هذه المعتقدات إلى ما هو أبعد من دائرة المستخدمين الفعليين للمراهم. لكن لا يزال ثمة لغز في شأن موت خمسمائة ألف شخص بسبب جرائم ارتكبوها في أحلام أشخاص آخرين..
إعداد: ايت اومزيد سعيد