عقد مجلس جهة سوس ماسة دورة استثنائية أمس الاثنين 18 شتنبر 2023 بالمركب الديني والثقافي والإداري للأوقاف بمدينة تارودانت. ويأتي هذا القرار على إثر الزلزال العنيف الذي تعرضت له بلادنا، والذي شمل عدة مناطق بجهة سوس ماسة وخاصة إقليم تارودانت، مما دفع مجلس جهة سوس إلى عقد دورة استثنائية، تضمن جدول أعمالها نقطتين: تتعلق الأولى بدراسة الإجراءات المستعجلة لتدبير الآثار المترتبة على الزلزال الذي عرفته الجهة، أما النقطة الثانية فتهم الدراسة والتصويت على التحويلات المالية وإعادة البرمجة برسم السنة المالية 2023.
وبالمناسبة، قدم عبد اللطيف أعمو، باسم فريق التقدم والاشتراكية بمجلس الجهة، ملخصا لمداخلته التي تضمنت أهم الخلاصات المبدئية التي أبان عنها زلزال الثامن من شتنبر. وتعميما للفائدة، ننشر نص المداخلة المقدمة بمناسبة دراسة الإجراءات المستعجلة لتدبير الآثار المترتبة على الزلزال الذي عرفته الجهة.
يعقد مجلس جهة سوس ماسة يومه دورة استثنائية على إثر الزلزال الذي عرفته بلادنا ليلة الجمعة 8 شتنبر 2023، والذي شمل مناطق بعدد من جهات المملكة، وبالخصوص بجهة مراكش تانسيفت الحوز وبجهة بني ملال وبجهة سوس ماسة، وخلف خسائر بشرية ومادية كبيرة.
على مستوى جهة سوس ماسة، فالمنطقة التي تضررت بشكل كبير هي مناطق قروية جبلية أغلبها بتارودانت الشمالية تعاني الفقر والهشاشة. وأن الخسائر التي تعرضت لها المنطقة، هي بالخصوص إنسانية وبشرية واجتماعية، حيث فقدت عائلات أفرادها ومنازلها وممتلكاتها ومواشيها.
وربما المناسبة ليست لاستخلاص الدروس، ولكن، لا بأس من الوقوف عند بعض الخلاصات المبدئية التي أبان عنها زلزال الثامن من شتنبر:
الخلاصة الأولى: حقائق مجالية وبشرية صادمة :
لقد أفصحت الهزة الزلزالية، وعرت بشكل مفزع ومهول عن حقائق مجالية وبشرية صادمة، وأبانت عن هول الهوة التي تفصل مغربين: مغرب محظوظ ومغرب مهمش ومنسي … ! واكتشفنا جهويا، واكتشف معنا العالم كله، بأن جهة سوس ماسة التي نعيش فيها لا يمكن اختزالها فقط في كورنيش أكادير، وليست فقط كليشيهات لشوارع كبرى مضاءة ليل نهار، وملاعب كرة القدم والكولف المعشوشبة، رغم أهميتها، … بل هناك مرتفعات جبلية وعرة وجزء كبير منسي ومهمش.
جاء الزلزال، فاكتشفنا أسماء مناطق مثل: تيزي نتاست، أولوز، تاملوكت، تالكجونت، تافنكولت تيكوكة، تسراس، سيدي عبد الله وسعيد، أوزويوة، … وغيرها. وهي تجمعات سكانية توجد خارج مسار قطار التنمية، فأدركنا أن خلف الجدران الطينية المنهارة كان يعيش الكثير من البسطاء، أدركنا ذلك متأخرين جدا.
فأدركنا متأخرين كذلك، بأن اِسْتِـفَادَةُ مناطق جبال الأطلس (الكبير، والمتوسّط، والصّغير)، وجبال “الريف”، مِن مَجهودات «التـنمية الاقتصادية»، المَبْذُولة من طرف الدولة، بَـقِيَت هزيلة جدّا، أو شبه مُنْـعَدِمَة.
رغم أن قائد البلاد، جلالة الملك، نبه إلى ذلك منذ مدة، فأقدم على إنزال إجراءات ذات طابع زجري، تحمل كثيرا من الرموز، عندما تدخل لإنصاف ساكنة الريف، وما تبع إنجاز مشروع “الحسيمة منارة المتوسط” من بطء. فأدرك مرة أخرى أن دار لقمان بقيت على حالها، في بقية المناطق الجبلية. مما جعله يبادر بقوة، إلى اتخاذ قرارات جريئة، دفاعا عن كرامة المغرب وسمعته ونخوته.
نحن اليوم نكتشف جماعات من أفقر الجماعات، ومن ضمنها جماعات معزولة، بدون طرق معبدة، والزلزال ساهم في تعقيد الأمور بشكل كبير.
لقد اكتشفنا بحرقة وألم شديدين الامتداد الجبلي والتركيبة السكانية والمجالية والتضاريس الصعبة لجهتنا:
فــبإقليم تارودانت على سبيل المثال توجد 89 جماعة ترابية، وضمنها 83 جماعة قروية.
كما اكتشفنا التركيبة الجبلية للمراكز الرئيسية: فمثلا مركز تافنكولت، يحيط به ما يقارب 70 دوارا، وهي دواوير فوق الجبال، كما يحيط بمركز إيكيدي حوالي 120 دوارا. وكل دوار تسكنه قرابة 20 إلى 50 أسرة.
هذا الامتداد الجغرافي الكبير في جبال الأطلس الكبير بين إقليمي الحوز وتارودانت هو امتداد كبير، زاد من صعوبة الوضع وعقد من عمليات التدخل. والمنطقة جبلية وعرة والمجال القروي يتميز بصعوبة المسالك وبالمساحة المتضررة الشاسعة، التي ضربها الزلزال (فهي توازي مساحة بلجيكا وهولندا مجتمعتين).
وكلما اقتربنا من تيزي نتاست، تلكجونت، تونفيت … إلا وارتفعت حدة الخسائر والأضرار البشرية والمادية.
لقد تغيرت المعالم المعمارية والتاريخية والمادية للمنطقة، كما تأثرت الذاكرة الجماعية، وفقدنا جزءا من ذاكرتنا ومن تراثنا.
فوجدت آلاف العائلات نفسها في العراء، وفي أقسى ظروف الحياة، بعضها افترش الأرصفة، والآخر حصل على خيم مؤقتة، إثر الزلزال المدمّر الذي دمر الحوز، وما حوله. وتحوّل أغلب سكان القرى والدواوير المتضررة، إلى لاجئين في مخيمات في الساحات المجاورة والقريبة من منازلهم المدمّرة.
الخلاصة الثانية: أزمنة عديدة ومركبة تحتاج إلى مقاربات مختلفة:
إن زلزال الحوز بقدر ما كشف عن معاناة ما يسمى بالمغرب العميق، فقد عمّق جراح سكانه. فمنطقة تارودانت الشمالية، مثلها مثل منطقة الحوز، معروفة بهشاشتها الاجتماعية والاقتصادية وبهشاشة بنياتها العمرانية. وإذا أضفنا إلى ذلك قساوة طقس المنطقة وقلة المياه الصالحة للشرب بسبب سنوات الجفاف … فما بعد هذا الزلزال، سيستدعى حلولا عاجلة وآنية (خاصة فيما يتعلق بإيواء الساكنة المحلية المتضررة قبل دخول فصل الشتاء القارس)، وأخرى متوسطة وبعيدة المدى .
وأننا سنكون أمام أزمنة عديدة:
الزمن الأول: هو زمن الاستعجال (البحث – الإنقاذ – الإسعاف – الإخلاء، …) وزمن توفير الحاجيات للساكنة المنكوبة (الخيام- الأغطية- الحاجيات الأولية- التغذية…) بفضل التعبئة (الوقاية المدنية – السلطات المدنية والعسكرية – المجتمع المدني…)
وهو زمن مناسب لتقييم مدى استعدادنا لتدبير الكوارث (الآليات الفعالة – التقنيات المفيدة – المعدات – اللوجيستيك – …)
وفي مجال البحث والإنقاذ، يتعين تكوين مزيد من كوادر القيادة والتنسيق في زمن الأزمات (وخصوصا تكوين ضباط الاتصال، …) وإشراك مراكز البحث الجامعية في إبراز معالم هذا التحدي، على المستوى الأكاديمي والتقني.
الزمن الثاني: هو زمن التروي وإعادة البناء والإعمار، وتحقيق العدالة المجالية المنشودة.
ففي كل جائحة أو كارثة أو حدث استثنائي يلعب التنسيق دورا هاما، سواء على المستوى المركزي بين القطاعات الوزارية (وضع استراتيجيات وتوجهات كبرى) أو على المستوى الميداني والمحلي، والذي تلعب فيه الخبرة الميدانية والتجربة، التي تكون وليدة التكوين والتكوين المستمر والاحتكاك مع التجارب الدولية والعمل المشترك بين مختلف القطاعات والتكامل الجمعوي والمدني، دور أساسيا في خلق ديناميكية إيجابية ومحفزة وخلاقة.
وهو ما يعتبر ضمن صلاحيات المجلس الجهوي، يمارسها عن طريق هياكله بصفة دائمة.
وطيلة هذه الأزمنة كلها، لابد من المحافظة على استمرارية العمل وتثبيت وتيرته (الانضباط – التأطير – التنسيق المحكم – الحكامة – النجاعة – …) خصوصا وأننا نعتقد بكثير من اليقين أن الأسوء لم يبدأ بعد، خاصة وأننا على مشارف فصل الشتاء. إضافة إلى ذلك، فالطبيعة تتغير، والحياة على الأرض تتغير، ولا بد من حلول استباقية ومستدامة لتفادى مثل هذه الكوارث مستقبلا.
الخلاصة الثالثة: الهشاشة والصمود
لقد تحركت الأرض، ومعها تحركت قلوب المغاربة. فبقدر ما اكتشفنا مذهولين علامات الهشاشة الاجتماعية والاقتصادية والمجالية بجهتنا، بقدر ما اكتشفنا كذلك علامات القوة والتماسك ومظاهر الصمود والتلاحم. فبقدر ما اكتشف المغاربة جغرافية بلادهم، اكتشفوا في ذات الوقت المميزات الثقافية للسكان، من تنظيم ذاتي وإيثار وتعاون… “تيويزي ” … وقدرة على التدبير الذاتي للمخاطر.
فالمسيرة التضامنية الهائلة وحملة الدعم والمساندة التي عبر عنها المغاربة لصالح سكان القرى المنكوبة من خلال الوقوف في طوابير طويلة من أجل التبرع بالدم، أو من خلال المساهمة بشكل جماعي وتضامني في جمع التبرعات المادية، والتي خلفت صورها انطباعاً قوياً، يضعنا أمام حقيقة أن “المواطن للمواطن” كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا، وأن المواطن المغربي إنسان عاطفي وصادق في التعبير عن مشاعره تجاه أخيه المواطن وبشكل عملي.
ومن مفاتيح نجاح تدبير الكارثة على المدى القصير والمتوسط والطويل، أنه في مواجهة كل مظاهر الهشاشة، هناك قوة الصمود والقابلية الكبيرة للتأقلم مع الوضع، لأن ساكنة الجبال متعودة على الاعتماد على الذات، والتنظيم الذاتي والتلاحم للصمود. وأنها تعرف جيدا بأن وراءها وبجانبها تقف الأمة المغربية.
فالقادم أصعب وأدق. ونخشى أنه بمجرد أن تتوارى الكاميرات وتخرج المناطق الجبلية المتضررة من زاوية الضوء، أن تعود هذه المناطق المنكوبة إلى سابق عهدها. فماذا سيكون مصير هذه المنطقة وأهاليها؟ وما العمل؟
والأمل معقود على الجيل الحالي من الشباب، وهو رهان كبير لبناء مغرب جديد تذوب فيه الفوارق المجالية، وينعم فيه الجميع بالكرامة، وتسود فيه روح المواطنة الحقة ويعلو فيه صوت القانون والعدالة الاجتماعية.
وعلينا أن نعتبر المواطن كفاعل أساسي ومحوري في تدبير الكارثة وفي تدبير الأزمات، لا كمكون هامشي وثانوي في العملية، ونبذ كل مظاهر البيروقراطية التي تعطل عجلة التنمية.
فعلى مستوى ردود فعل القيادة الوطنية العليا، في مضمونها، هناك شعور بخيبة الأمل جراء ما وصلت إليه الأوضاع، فيما يخص اتساع الفوارق المجالية والاجتماعية وتوسع مظاهر الهشاشة والفقر.
الخلاصة الرابعة: الصدمة هي أولا فرصة للتأهيل وإعادة البناء المؤسساتي:
نتمنى صادقين أن تشكل هذه الكارثة الطبيعية فرصة لإعادة النظر في السياسات التنموية لجميع مناطق المغرب العميق. ولعلها فرصة للاهتمام بشكل أوفر بسكان هذه المناطق والالتفاتة لمعاناتهم وإيجاد حلول مستدامة لها. وبما أن المغرب بات مهددا بشكل أكبر بالزلازل، فهناك حاجة لضبط البناء في المناطق القروية والجبلية، وإلزام ساكنيها بالمعايير المرتبطة بالبناء المقاوم للزلازل.
وهنا لا بد من الإشارة إلى الإرادة السياسية الحقيقية كمحرك لكل الإرادات. فلدينا كمنتخبين وكفاعلين مساهمات في هذا المجال، لكنها للأسف لم تجد آذانا صاغية، فقد قدمنا منذ سنة 2009 مقترح قانون يتعلق بإحداث المجلس الوطني للمناطق الجبلية، وبقي حبيس الرفوف إلى يومنا هذا. وقدمنا العديد من المقترحات فيما يخص السياسات العمومية لمواجهة الفقر والهشاشة، خصوصا في العالم القروي… باعتبار أن هشاشة البنيات التحتية هو القاسم المشترك ، لكن، لا صوت لمن تنادي !
والأكيد اليوم هو أن زمن «الصَدَقَات المَوْسِمِيَة» المُوَزَّعَة على الـفُقَرَاء والمُحْتَاجِين (في فصل الشِتَاء، أو أثناء كَارِثَة طَبِيعية اِسْتِثْنَائِيَة مثل الزِلْزَال) قد ولى.
وَأن معالجة الوضع والارتقاء إلى مُسْتَوَى مُـعالجة مَشَاكِل سُكَّان المناطق المُهْمَلَة واحْتِيَاجَاتِهِم المُجْتَـمَـعِـيَة الآنية والمستقبلية تحتاج إلى مقاربة شمولية ومندمجة، تحقق الكرامة، وتؤسس لبناء قواعدها، على مستوى التأهيل البشري والمجالي والاجتماعي، على قاعدة المساواة وتكافؤ الفرص بين كل المواطنين أينما وجدوا. وهناك حاجة إلى تنمية اِقْتصَادِيَة مُجْتَمَـعِيَة شَامِلَة وَمُتَرَابِطَة، لِكَيْ يُصْبِحُ أهالي هذه المناطق المنكوبة قَادِرِين مستقبلا على الْاِعْتِمَاد على أنـفسهم.
الخلاصة الخامسة: احترام خصوصيات المنطقة في إعادة الإعمار
هناك دعوة إلى إدخال المعايير المعاصرة في البناء والعمران والخروج من النمط العشوائي والتقليدي، ويرى آخرون أن الحَلُّ الوَحِيد هُو الدَّمْج بين مَزَايَا البـناء بالتُرَاب، وَمَزَايَا البـناء بِالْإِسْمَنْت والحَدِيد.
لكننا نرى أنه على مستوى جهة سوس ماسة، وبالنظر إلى مميزات وخصوصيات المنطقة المعمارية والبشرية، فمنطقة تارودانت المنكوبة مثلا تتميز بعناصر معمارية أساسية مرتبطة بكونها منطقة جبلية، تتميز بخصائص بحكم التضاريس والبنية الجغرافية والجيولوجية للمنطقة.
وساكنة المنطقة في طبيعتها مرتبطة عضويا بالجبل وبأنشطته الفلاحية المعيشية وبالرعي وبالسياحة الإيكولوجية. وهي عبارة عن تجمعات ومداشر ودواوير.
والدوار هو الوحدة الجغرافية والبشرية الأساسية وهو مكون للعمران المغربي الأصيل، ومصدر إلهام روحي لتقوية ذات الجماعة ولبناء شخصيتها المنفردة.
فلابد من احترام المعايير التقنية للاستدامة وللمتانة. ولدينا قوانين وتشريعات ترشدنا إلى المعايير المرتبطة بسلامة البناء المضاد للزلازل، مع اعتماد المواد الأولية المحلية، ولكن غالبا ما يتم تجاهلها ووضعها جانبا وإحلال أساليب ملتوية وغير ناجعة محلها.
ولدينا خبراء ومختصون مغاربة لديهم تجربة وممارسة ميدانية في هذا المجال وفي اختصاص تدبير المجال وإعداد التراب. ولابد من تثمين القدرات المحلية والجهوية بإعطاء الأولوية لمهنيي الجهة وللمقاولات المحلية في عمليات إعادة الإعمار وإشراك الهيئة المهنية والمدارس العليا للهندسة المعمارية في تصور مرحلة إعادة الإعمار.
فالمباني القديمة المبنية بالطين وبوسائل بسيطة، والتي كانت هشة أصلا، هي التي تهالكت بشكل سريع، بسبب الهزة القوية التي أصابت البنيان.
والسبب راجع أصلا إلى الهشاشة الاجتماعية السائدة لدى أسر وساكنة المنطقة. والأكيد أننا بمعالجة الهشاشة الاجتماعية للمنطقة المنكوبة، سنكون مساهمين في معالجة الهشاشة المجالية.
ومن جملة ما فتئ جلالة الملك يذكر به، ما يتطلبه معالجة هاته الهشاشة من استحضار لعامل كرامة الإنسان المغربي واحترامها، حتى يكون الإنسان قادرا على نسج وإنتاج عوامل المقاومة والصمود والإبداع ورفض الحيف ونبذ الهشاشة.
وما فتئ صاحب الجلالة ينادي في مختلف خطبه وتوجيهاته إلى جعل كرامة الإنسان هي القاعدة الصلبة لانطلاق كل مشروع وكل برنامج تنموي.
لذلك، فالمقاربة التي نراها مجدية، لن تكون بالتأكيد تقنية محضة، بل يجب أن تكون مقاربة شمولية، تدمج الجوانب الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والتاريخية والتراثية، وتدمج مواد البناء كعنصر مساهم في بناء الثروة المحلية، باعتبار إنتاج مواد البناء التقليدية والترويج لها وتجويدها وضمان متانتها، يمكن أن يولد سوقا جهوية ونشاطا ورواجا اقتصاديا هاما، ومن شأنه أن يخلق فرصا جديدة للبحث العلمي والتقني على مستوى الجهة.
كما أن إعادة إعمار مناطق الزلزال ستعطي دفعة إضافية لمستوى النمو في الجهة – إذا أحسنا توظيفها واستعمالها – حيث ستضخ أموالا هائلة في الاقتصاد الجهوي، من بناء وأشغال عمومية، وتجهيزات وغيرها.
والأكيد أنه بالإمكان تقوية وتجويد طرق البناء من جهة واعتماد الأساليب الإنشائية من جهة أخرى وذلك باعتماد المنظومات التقنية والقانونية الموجودة.
لقد تطورت أساليب وتقنيات ومواد وعمليات البناء في منطقتنا، مع مراعاة احترام مقتضيات البناء المضاد للزلازل والبناء الصلب، الذي يمكنه مقاومة التأثيرات المناخية، وغيرها… فالخصوصيات المحلية معروفة ومدروسة. وأهل الميدان أدرى بها. وهناك كذلك مزاوجة بين البناء الصلب الحديث وعناصر البناء والعمارة المحلية.
والكارثة التي شهدتها جهتنا منذ أسبوع، تحتم علينا، بشكل عام، إعادة النظر في مناهج المعمار والبناء في مناطقنا الجبلية. فالواقع يظهر تشتت المساكن وإقامة الدواوير والتجمعات السكنية في أماكن صعبة الولوج، والتي تكون مكلفة لربطها بشبكات الطرق والمياه والكهرباء والاتصالات، ولتزويدها بالتجهيزات والبنيات الأساسية، وتعيق إيصال الخدمة العمومية إلى كل المواطنين.
فتصاميم التهيئة لا يمكن أن تكون بنفس النمط في التجمعات الحضرية الكبرى وفي البوادي وفي المناطق الجبلية. وهنا لابد من مراعاة الخصوصيات المحلية والإنصات للسكان.
وهو ما يحتم علينا، على مستوى إعداد التراب الوطني، إعادة النظر في مضمون وأشكال البناء في جبالنا، وفي طريقة تدبير مشاكل المناطق الجبلية ببلادنا، والتي تأوي ثلث (1/3) مجموع سكان الوطن، على مساحة إجمالية تساوي ربع (1/4) مساحة البلاد، بكثافة سكانية متوسطة تصل إلى 40 نسمة في الكيلومتر المربع، (تفوق المعدل الوطني العام)، وتضم أزيد من 700 جماعة قروية وحضرية، وتعتبر المصدر الأساسي للثروة المائية الوطنية، إذ تنطلق منها 45 مجرى مائيا، وتوجد بها 26 بحيرة. لكنها تعاني من تهميش مجحف وقاسي.
الخلاصة السادسة: ضرورة الاهتمام بالوضع التعليمي والتربوي
لقد سجلت وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة وفاة سبعة أساتذة (أربعة أساتذة وثلاث أستاذات) ضمن ضحايا الهزة الأرضية التي ضربت إقليم الحوز والأقاليم المجاورة، وإصابة 39 من الأستاذات والأساتذة بإصابات متفاوتة، إضافة إلى تضرر 530 مؤسسة تعليمية و55 داخلية بدرجات متفاوتة تتراوح ما بين انهيار أو شقوق بالغة، وتتركز في أقاليم الحوز وشيشاوة وتارودانت.
وعلى مستوى جهة سوس ماسة، تم تسجيل وفاة 130 تلميذا وتلميذة و4 أساتذة لقوا حتفهم إثر الزلزال الذي ضرب تارودانت.
وتقرر تعليق الدراسة في الجماعات القروية والدواوير الأكثر تضررا جراء الزلزال داخل أقاليم الحوز وشيشاوة وتارودانت (وعددها 42 جماعة موزعة بين هذه الأقاليم الثلاث، وذلك ابتداء من 11 شتنبر الجاري، واستمرارها في المناطق الأخرى).
ونحن مدعوون على مستوى المجلس الجهوي، وباستعجال لمضاعفة الجهود لتجاوز انعكاسات هذه الهزة الأرضية على المنظومة التربوية الجهوية وللمساعدة على إيجاد الصيغ التعليمية واللوجستيكية المحلية المناسبة لضمان الاستمرارية البيداغوجية للتلميذات والتلاميذ المعنيين، بتنسيق مع السلطات العمومية المختصة ومع الجماعات الترابية.
الخلاصة السابعة: الرقمنة ورهانات التنمية في العالم القروي
لقد ارتبطت صعوبة التواصل والوصول إلى المناطق النائية بصعوبة المسالك الطرقية، لكن كذلك، وبشكل كبير، بانعدام بدائل تواصلية، تعتمد وسائل التواصل الحديثة، بقصد تسهيل إيصال سبل الإغاثة وتقصي الأخبار بعين المكان.
ويتعين اليوم الاهتمام أكثر بإشكاليات الرقمنة في العالم القروي، من خلال “إبداع القرية الذكية”، على غرار “المدن الذكية”، وذلك بالحرص الجاد والمسؤول على توفير (خدمات الهواتف عبر الأقمار الاصطناعية – توليد الكهرباء عبر نماذج وتقنيات مستقلة – اعتماد طرق حديثة لتصفية المياه – الطهي باعتماد الطاقات البديلة – إبداع نقط للاتصال سهلة الولوج لتدخل الطوارئ مستقبلا…)
الخلاصة الثامنة: المغرب سيخرج قويا من هذه التجربة. فــ “رب ضارة نافعة” .. ولكن بأي ثمن؟
لا تزال المناطق التي أصابها زلزال الحوز تحصي خسائرها، وفي غياب تقديرات رسمية حول الخسائر الاقتصادية للزلزال وكلفة إعادة الإعمار، كشفت هيئة المسح الجيولوجي الأميركية، أن المغرب يواجه خسائر محتملة تصل إلى 8% من الناتج المحلي الإجمالي، ورجحت أن تتراوح الخسائر بين مليار إلى 10 مليارات دولار. ومن المرجح أن يكلف إعادة التأهيل العمراني للمنطقة كلها ما بين 10 و15 مليار دولار، لكون البنية التحتية الحالية غير ملائمة.
ولم تصدر بعد أي تقديرات رسمية تحصي حجم الأضرار بالكامل، لكن مشاهد الدمار تشير إلى أن هناك حاجة إلى الكثير من الوقت والجهد والمال لإيواء المتضررين، ولاحقاً، إعادة إعمار المنطقة.
ووفق تقديرات الأمم المتحدة، تضرّر أكثر من 300 ألف شخص، لكن تقديرات أخرى تشير إلى أن تكلفة إعادة إعمار المناطق المتضررة، بما يتطلبه من بناء المساكن وإصلاح الطرق وشبكات المياه والكهرباء، لن يتعدى ما بين 3 و5% من الناتج المحلي الخام، وأن هذا الأمر سيستغرق مدة قد تتراوح بين 4 إلى 5 سنوات.
لكن وفق تجارب مماثلة، في المغرب وفي دول أخرى ضربها الزلزال، سيكون من الصعب أن نشهد عودة النازحين إلى منازلهم ومناطقهم المتضررة بحلول الشتاء القريب.
وعلينا بناء ثقافة المخاطر: وذلك بالاشتغال بشكل أساسي على المجال القروي وعلى المناطق الجبلية، وجعل محورية الاهتمام تنصب على هذه المجالات دون غيرها، حرصا على تحقيق العدالة المجالية في أسمى تجلياتها، مع الحرص على إشراك الجامعة المغربية وإدراج التخصصات الجديدة (وضمنها انتروبولوجيا الكوارث، …)
والمهم والأساسي هو الحرص على احترام كرامة المواطنين في كل مراحل الإنقاذ وإعادة البناء.
فهل يكون زلزال الحوز فرصة حقيقية لتأهيل المناطق المهمشة؟
نتمنى ذلك … فإذا كان زلزال الحوز فاجعة إنسانية، خلّفت ندوبا في قمم جبال الأطلس ومرتفعاتها، فقد يكون فرصة اقتصادية وتنموية لبدء مرحلة جديدة في التعامل مع العالم القروي، الذي ظل خارج مدارات التنمية لعقود.
ونحن اليوم مدعوون لدراسة الإجراءات المستعجلة لتدبير الآثار المترتبة على الزلزال على صعيد الجهة.
نعم، نحن شعب يرضى بالقدر خيره وشره وحلوه ومره. ولكن، يجب أن نعتبر هذا الامتحان فرصة لتعزيز التزامنا بقضايا هذا الوطن. لذلك، يجب أن نحاسب أنفسنا على قصورنا وضعفنا، ونعيد بناء الثقة في مستقبل مؤسساتنا. وما ذلك على هذا الشعب الأبي بعزيز.
فتحية إجلال وتقدير لأبناء هذا الوطن المرابطين، منذ أول وهلة إلى يومنا هذا، من جنود القوات المسلحة الملكية والدرك الملكي وفرق الإسعاف والوقاية المدنية وأطر وزارة الصحة والسلطات المحلية، وفرق الإسعاف والشرطة والقوات المساعدة والمتطوعين وجمعيات المجتمع المدني، الذين جعلوا من التضحية بالغالي والنفيس سلوكا ومنهجا.
ونحن مقدمون على بناء ما خربه الزلزال، ننتهز الفرصة لنتقدم بالمناسبة بخالص التعازي وصادق المواساة لعائلات الضحايا المتوفين منهم والمصابين، الذين يعتبرون شهداء الوطن، ونقتسم مع الأسر المنكوبة صادق مشاعر الحزن، مع الدعاء للمولى عز وجل بالرحمة والغفران لكل الضحايا، وبالشفاء العاجل لكل الجرحى والمصابين.
< عبد اللطيف أعمو