حقوقيون يرصدون واقع حقوق الإنسان بالمغرب على ضوء تقارير المنظمات الوطنية

في ندوة نظمتها منظمة العفو الدولية برواقها بالمعرض الدولي للنشر والكتاب حول حالة حقوق الإنسان في المغرب من خلال تقارير المنظمات الوطنية لحقوق الإنسان، رصد مجموعة من المتدخلين استمرار المد التراجعي واستمرار التضييق والمتابعات في حق المدافعات والمدافعين عن حقوق الإنسان.

وشدد المتدخلون في الندوة التي احتظنها رواق أمنيستي بالمعرض الدولي للنشر والكتاب وسيرها الصحفي يونس مسكين، على أن المناخ العالمي العام والمناخ الإقليمي أسهما في التراجعات المهولة حقوقيا بالمغرب.

في هذا السياق قال محمد المساسي الكاتب الإقليمي للعصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان بالرباط إن الوضع الحقوقي في المغرب بالرغم من مراكمة عدد من المكتسبات إلا أنه يشهذ أيضا تراجعات، والتي قال إنها لا تتعلق بالنصوص أو المبادئ القانونية بقدر ما تتعلق بالعقليات.

وزاد الكاتب الإقليمي للعصبة المغربية لحقوق الإنسان التي احتفت مؤخرا بـ 52 سنة على تأسيسها كأقدم منظمة حقوقية إفريقيا ومغاربيا، وأسهمت في إخراج أجيال من المناضلات والمناضلين وأخرجت رجالا ونساء أعطوا الكثير في مجال الحقوق والدفاع عن الحريات وعن قضايا المرأة والطفولة وغيرها، (زاد) أن هناك مشكلا بالمغرب على مستوى بعض العقليات الإدراية التقليدية.

وعن الوضع الحقوقي بالبلاد، أبرز المساسي أنها لم تصل بعد إلى المستوى المطلوب في الدفاع عن الحقوق والحريات والحقوق السياسية والمدنية أو الحقوق الاقصتادية والاجتماعية والثقافية، التي تعرف مجموعة من المشاكل ليس فقط على المستوى التشريعي والقانوني بل على مستويات أخرى، مشيرا إلى أن الأمر لا يشمل المغرب وحده بقدر ما يشمل دولا مختلفة على الصعيد الإقليمي والدولي.

في هذا الصدد، يتابع المساسي أن هناك ردة حقوقية حيث “نجد أن ما أعطاه دستور 2011 باليمين أخذه التشريع باليسار، كالقضية المرتبطة بتقديم الملتمسات والعرائض التي يكفلها الدستور فيما القوانين التنظيمية والصادرة عن البرلمان قيدت هذا الحق وأحاطته بشروط تعجيزية”، يبرز المتحدث.

ويرى المساسي أن تقييد هذا الحق على سبيل المثال حال دون أن يمارس المواطنات والمواطنين هذا الحق وهذه الآلية الحقوقية، معتبرا أن التشريع العادي قوض هذا الحق بشروط لا تنسجم مع روح الدستور.

وفي حديثه عن موقف المنظمة الحقوقية التي يتحدث باسمها، أوضح المساسي أن العصبة المغربية لحقوق الإنسان تعبتر أنه حتى أعتى الديمقراطيات تعرف نوعا من القصور في التعامل مع منظومة الحقوق والحريات بالنظر للسياق السياسي والمناخ السياسي الذي يلعب دورا كبيرا في مسألة الحقوق والحريات.

ولفت المتحدث في هذا الصدد لمثال ما يقع بالنسبة لفرنسا التي كانت تعد واحدة من أكبر الديمقراطيات وممارسة الحقوق، فيما هي اليوم تشهد تراجعا مهولا يكاد يجعل المغرب يحقق مؤشرات وأرقاما أحسن منها.

وخلص المساسي إلى أن مجال حقوق الإنسان ليس ثابتا ويعرف مدا وجزرا، “فحين يكون هناك انفراج سياسي ومناخ سياسي سليم يكون هناك انفراج حقوقي، بيد أنه كلما كان الوضع الداخلي مقلق وينضاف إليه الوضع الإقليمي والدولي يعرف الفضاء الحقوقي تراجعا”، وفق تعبيره.

وعن القوانين ومقتضيات الدستور، أكد المتحدث أن هناك إشكالية أخرى مهمة، وهي التي تكمن في عدم وجود تناسب ما بين القاعدة القانونية التي تكفل الحرية وبين الممارسة، مستدلا على ذلك بالقانون المتعلق بتبسيط المساطر الإدارية الذي يلزم الإدارات العمومية بتيسير وتسهيل مجموعة من الشروط للحصول على الوثائق لقضاء المواطنات والمواطنين لمصالحهم الإدارية، في الوقت الذي يجد فيه المواطن الذي يحاول قضاء غرض إداري في بعض المؤسسات أنها ما تزال تشتغل بعقلية تقليدية ممانعة لذلك القانون، وتفرض شروطا ووثائق لا توجد في القانون المتعلق بتبسيط المساطر الإدارية، الذي أنهى العمل بها.

وضمن هذه المشاكل، ما يتعلق بوضع ملفات تأسيس الجمعيات في المصالح التابعة لوزارة الداخلية والحصول على الوصل المؤقت أو النهائي، حيث شدد المساسي على أن المواطنات والمواطنين يجدون مجموعة من الشروط أنهاها القانون الخاص بتبسيط المساطر الإدارية، مجددا التأكيد على عدم وجود تناسب بين القاعدة القانونية وبين العقلية الإدارية.

ويرى الكاتب الإقليمي للعصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان بالرباط أن النقاش الحقيقي يجب أن يكون حول الذهنيات التي تعمل على تنفيذ القانون، معتبرا أن الإشكال لا يرتبط في حد ذاته بالقاعدة القانونية أو بالمعركة القانونية بل مرتبط أساسا بما وصفه بـ “المعركة الذهنية والفكرية”.

وشدد المتحدث على أن هناك مشاكل مرتبطة بسؤال العقلية والذهنية، معتبرا أن القواعد القانونية في مجالات مختلفة تترك مساحات وصلاحيات، يجري التعسف عليها من قبل القائمين على ممارستها في بعض الإدارات والمصالح.

من جانبه، قال  سعيد الطبل عضو المكتب المركزي للجمعية المغربية لحقوق الإنسان إن وضعية حقوق الإنسان بالمغرب متأزمة وتشهد تراجعا كبيرا، مشيرا إلى أن بعض الانتهاكات الحقوقية التي كان يقول الجميع إنه تم تجاوزها في سنوات الرصاص أضحت تعود من جديد.

وأضاف الطبل أن هناك خروقات كثيرة في الميدان الحقوقي تلت الطفرة التي عاشها المغرب لبضع سنوات، معتبرا أن الوضع العام يعرف تأزما وتراجعا كبيرا على المكتسبات الحقوقية، وتضييق هامش الحرية، وأساسا حرية التعبير.

وأورد الطبل أنه بالرغم من كون الدستور يأتي متماهيا مع المواثيق الدولية إلا أن الممارسة الواقعية، بحسبه، تظهر أن مقتضيات الدستور لا تتفعل على أرض الواقع، مستدلا على ذلك بالحق في الولوج إلى المعلومة الذي نص عليه الدستور، كمثال، والذي قال إن الجميع استبشر به خيرا في وصول المنظمات والمواطنات والمواطنين إلى المعلومة قبل أن يتم التراجع عن ذلك في التنزيل ومصادرة هذا الحق بأشكال مختلفة.

وفي حديثه عن الوضع الحقوقي، أردف المتحدث “عشنا مرحلة كانت مطبوعة بانفراج حقوقي مع بداية الألفية الجديدة، وبداية الحريات، خصوصا حرية الصحافة، قبل أن تشرع الأمور في العودة نحو التضييق بعد سنوات قليلة، والتي اشتدت مؤخرا بفعل التضييق على الكثير من الحريات والحقوق، ونهج أساليب قديمة في التضييق على المدافعات والمدافعين عن حقوق الإنسان، وعودة الاعتقال والمحاكمات في حق عدد من المناضلات والمناضلين”.

ويرى الطبل أن المواطن اليوم لم يعد له هامش التعبير في مواقع التواصل الاجتماعي، وأضحى هامش الحرية أضيق من السابق، مع استمرار الانتهاكات وخصوصا انتهاك حرية التعبير والصحافة وعدد الحالات المسجلة في هذا الصدد والمتابعات القضائية للعديد من النشطاء الذين عبروا عن رأيهم في قضايا مختلفة وضمنها مواقف من قضايا أساسية سواء وطنية أو دولية.

ودق عضو المكتب المركزي للجمعية المغربية لحقوق الإنسان ناقوس الخطر إزاء هذه التراجعات، قائلا إن الخطير في الامر أننا نعيش استمرار المحاكمات في حق المواطنات والمواطنين الذين يعبرون عن آرائهم، مشيرا إلى أن هذه المسألة تدخل ضمن تضييقات مستمرة وتشديد العمل على الحقوقيين وعلى المنظمات الحقوقية، وتزيد من التضييق عليهم، خصوصا ما يتعلق بتسليم الوصول المؤقتة أو النهائية للجمعيات.

من جهته، لفت سفيان الأطراسي رئيس فرع منظمة العفو الدولية بالمغرب إلى التقرير السنوي للمنظمة والذي قال إنه يلخص وضعية حقوق الإنسان في العالم عموما وفي المغرب أيضا بشكل خاص.

وقال الأطراسي إن تقرير أمنيستي رصد وضعية حقوق الإنسان بـ 155 دولة ضمنها المغرب، وتوقف عند كثير من الانتهاكات على مستوى دول مختلفة وعلى مستوى المغرب أيضا.

في هذا السياق، توقف الأطراسي عند انتهاك القانون الدولي الإنساني والتحايل عليه من طرف زعماء دول العالم كما هو الحل لأمريكا وبريطانيا وعدد من الدول الأوروبية، خصوصا في الانحياز لنظام الأبرتهايد الذي يمارسه الاحتلال الإسرائيلي في حق الشعب الفلسطيني.

وأفاد رئيس أمنستي المغرب أن المناخ الحقوقي في العالم أثر سلبا على الوضع الحقوقي في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا التي ينتمي إليها المغرب. والتي عرفت اتساع انتهاكات حقوق الإنسان، والتضييق على حرية التعبير، واستمرار الاعتقالات في صفوف المدافعات والمدافعين عن حقوق الإنسان وإصدار أحكام قضائية في حقهم.

محمد توفيق أمزيان

تصوير : رضوان موسى

Top