احتضنت مدينة الدار البيضاء مؤخرا لقاء صحفيا نظمته جمعية التحدي للمساواة والمواطنة بمناسبة تقديم مقترح قانون جديد أعدته الجمعية لحماية النساء والفتيات من العنف الرقمي، وقد استهل اللقاء بكلمة بشرى عبدو مديرة الجمعية التي أوضحت أن الغاية من وضع هذا المقترح تتمثل في “إيجاد إطار قانوني واضح ودقيق وشامل لزجر مختلف أفعال العنف ضد النساء والفتيات في الفضاء الرقمي، يحترم مبدأ الشرعية الجنائية وما يقتضيه من ضرورة التفسير الضيق للنص الجنائي، واجتناب القياس والتوسع فيه، ويساعد المهنيين في الرجوع إليه عند التطبيق أمام تشتت النصوص القانونية”، وأضافت أن الجمعية عملت على تشخيص الظاهرة انطلاقا من عدد من التقارير السنوية التي أصدرتها والتي كشفت عن تزايد حالات العنف الرقمي التي تستهدف النساء لأنهن نساء، كما أنها اقترحت تعديلات لمواجهة الظاهرة في مشروعي مراجعة القانون الجنائي وقانون المسطرة الجنائية، قبل أن تتوج هذه الجهود بالإعلان عن مقترح قانون متكامل للحماية من العنف الرقمي يأخذ بعين الاعتبار خصوصية الجريمة وآثارها النفسية والاجتماعية والاقتصادية على الضحايا، ويجمع شتات النصوص المتفرقة.
من جهتها، أكدت المحامية الزاهية اعمامو أن صدور قانون محاربة العنف ضد النساء وبالرغم من بعض ايجابياته، إلا أنه لم يتمكن من تقديم أجوبة حقيقية للظاهرة، خاصة وأنه جاء مفتقرا لديباجة كما أنه لم يقدم أي تعريف للعنف الرقمي، كما أنه ربط تحريك المتابعات في عدد من الجرائم بتقديم شكاية من الضحية مما يعرضها لمختلف أنواع الضغوط من أجل ثنيها عن التبليغ، كما أنه جاء مفتقرا للإجراءات المسطرية الكفيلة بحماية الضحية ومراعاة خصوصيتها.
وقدم الدكتور أنس سعدون قراءة في مقترح القانون الجديد، مشيرا الى أنه يعكس القوة الاقتراحية للمجتمع المدني الذي يعتبر شريكا في اصلاح النظم القانونية، ولاحظ المتدخل أن المقترح استجاب لمطالب الجمعية النسائية من خلال اشتماله على ديباجة غنية مستقاة من الصكوك الدولية لحقوق الانسان، كما أنه تضمن تعاريف دقيقة وواضحة تحترم مبدأ الشرعية الجنائية وما يقتضيه من تفسير ضيق للنص الجنائي، كما نص على تجريم أفعال جديدة مثل التنمر الرقمي والمطاردة في الفضاء الرقمي، والاغتصاب الرقمي، وهي أفعال تطرح إشكالية التكييف في ظل القانون الحالي لكون النص القانوني لا يستوعبها بشكل دقيق. وأضاف المتدخل أن المقترح تضمن أيضا مجموعة من التعديلات الإجرائية التي تروم تخفيف أعباء المحاكمات على الضحية من قبيل واجب الاشعار بالحقوق الملقى على عاتق المحكمة لإعلام ضحية العنف الرقمي بحقها في عقد جلسة سرية، فضلا عن تنصيصه على آجال جديدة للتقادم تراعي خصوصية الجريمة التي تدفع عدد من الضحايا الى التأخر في التبليغ عنها.
وتجدر الإشارة الى أن مقترح القانون الجديد يتضمن 40 مادة موزعة على 8 أبواب، يتناول مختلف جوانب الوقاية من العنف الرقمي، ومكافحته، وحماية الناجيات منه، وذلك بتحديد تعريف دقيق للعنف الرقمي ضد النساء والفتيات، وتجريم جميع أشكاله، وتحديد عقوبات رادعة للجناة.
وقد عرَّف العنف الرقمي بأنه “كل عمل من أعمال العنف ضد المرأة التي تستخدم في ارتكابه أو تساعد عليه أو تزيد من حدته جزئيا أو كليا تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، كالهواتف المحمولة والهواتف الذكية، أو الإنترنت، أو منصات التواصل الاجتماعي، أو البريد الإلكتروني، أو الذكاء الاصطناعي، والذي يستهدف المرأة لأنها امرأة، أو يؤثر في النساء بشكل غير متناسب”.
وتطرق المقترح نفسه إلى التحرش الجنسي الرقمي، إذ ورد أنه “يعتبر مرتكبا لجريمة التحرش الجنسي في الفضاء الرقمي كل من ضايق الغير في الفضاء الرقمي، وذلك بواسطة رسائل مكتوبة أو هاتفية أو إلكترونية أو تسجيلات سمعية أو بصرية أو صور ذات طبيعة جنسية أو لأغراض جنسية؛ تعليقات أو تدوينات أو كتابات أو إشارات ذات طبيعة جنسية أو لأغراض جنسية”.
أما التنمر الرقمي فعرفه المقترح بما يلي: “يعد تنمرا رقميا كل قول أو استعراض قوة أو سيطرة للفاعل أو استغلال ضعف للضحية أو لحالة في الفضاء الرقمي يعتقد الفاعل أنها تسيء للضحية بسبب الجنس أو العرق أو الدين، أو الأوصاف البدنية أو الحالة الصحية أو العقلية أو المستوى الاجتماعي أو أي اعتبار آخر بقصد السخرية أو الحط من الكرامة أو الإقصاء من المحيط الاجتماعي”.
ويضع المقترح آليات لحماية الناجيات من العنف الرقمي، وتشجيعهن على التبليغ، بالإضافة إلى تحديده مسؤوليات مزودي الخدمات وشركات الاتصال في مكافحة العنف الرقمي، وتعزيزه للتعاون الدولي لمكافحة جرائم العنف الرقمي عبر الحدود، وتغليبه المقاربة الحقوقية والحمائية في الوقاية من جرائم العنف الرقمي، كما يبتغي التسهيل على المهنيين الرجوع إليه عند التطبيق ويضع حدا لتشتت النصوص القانونية الموجودة وعدم التقائيتها.