لماذا فشل بايدن في وقف الحرب؟

لم يعد يفصل الرئيس الأمريكي الديمقراطي جو بايدن سوى شهرين عن مغادرة البيت الأبيض بعد قرب انتهاء فترته الرئاسية (2020-2024)، وانسحابه من سباق الانتخابات الرئاسية 5 نونبر 2024، إثر ضغوطات راجعة لحالته الصحية بفعل تقدمه في السن.

لكن الفترة التي أمضاها في سدة حكم أكبر قوة عالمية كافية لتقويم أدائه في السياسة الخارجية التي يهمنا فيها مواقفه وقراراته بشأن حربي غزة ولبنان اللتين أخفق في إخمادها حقنا لدماء الأبرياء وتحقيقا للسلام الذي يعد ولاشك ضمن أولويات الإدارة الأمريكية كما تعلن عن ذلك في خطاباتها وتقاريرها.

السؤال الممض ههنا، لماذا لم ينجح الرئيس الأمريكي في الضغط على أطراف الصراع والكيان الإسرائيلي خاصة، لكبح جماح آلة القتل الممنهج ضد المدنيين في غزة ولبنان باستعمال أسلحة غربية أمريكية خاصة؟

كيف لم تسعف العلاقات التاريخية والدعم المستمر واللامشروط لإسرائيل من قبل واشنطن، على إسماع كلمة الرئيس الأمريكي لدى الحكومة الإسرائيلية من أجل وضع حد لحرب غزة خاصة، والتي أكملت عامها الأول بحصيلة ثقيلة غير مسبوقة من القتلى الفلسطينيين تعدت أعدادهم الأربعين ألفا، ناهيك عن الجرحى والمعطوبين والمختفين الذي لا أثر لهم لحد الآن؟

لماذا تجرأت إسرائيل على لبنان بعد غزة، وها هي تحاول تكرار سيناريو الفلسطيني نفسه؛ وذلك بالتقتيل العشوائي برا وجوا، والاستمرار في تدمير قرى الجنوب فضلا عن التسبب في أكبر موجة للتهجير القسري؟

إن ما تقترفه إسرائيل في هذين البلدين العربيين يسبب ولا شك حرجا كبيرا أولا لإدارة الرئيس الأمريكي بايدن الذي فشلت جميع استراتيجياته ومبعوثيه ومستشاريه إلى المنطقة في وضع نهاية لحرب كارثية مأساوية مما خدش صورة الولايات المتحدة الأمريكية في تمثل العالم باعتبارها أكبر قوة عالمية، ومن أشد الدول حرصا على الالتزام بالقانون الإنساني الدولي لاسيما في حال الحرب.

فما السبب في هذا الإخفاق؟

هل مرده إلى تعنت رئيس وزراء إسرائيل الذي ما فتئ يضع الشروط التعجيزية أمام أي مجهود يفضي إلى إيجاد حل لحرب غزة وملف لبنان؟

هل أدرك زعيم الكيان المحتل أن أيام الإدارة الأمريكية في عهد بايدن أصبحت معدودة وعليه التماطل وانتظار عودة الرئيس السابق دونالد ترامب الوحيد الذي نقل سفارة بلاده من تل أبيب إلى القدس؟

ألم يكن بمقدور الرئيس المنتهية ولايته الضغط أكثر من أجل دفع المتصارعين إلى اتفاق لوقف إطلاق نار يعقبه تفاهم ينهي الحربين الداميتين في غزة ولبنان؟

إن المتتبع لتحركات الإدارة الأمريكية؛ من خلال اللقاءات الشخصية بين بايدن وزعيم الكيان المحتل، ومكالماتهما الهاتفية، إضافة للزيارات الكثيرة لرئيس دبلوماسيتها أنتوني بلنكن، والتي بلغ عددها إحدى عشر بعد زيارة أكتوبر الأخيرة، ناهيك عن تحركات مستشاري الرئيس الأمريكي آموس هوكستين وبريت ماكغورك إلى لبنان، يستنتج أن الولايات المتحدة الأمريكية لم تستطع اختراق تصميم نتنياهو الاستمرار في الحرب ولو كان ذلك بدون هدف كما صرح وزير دفاعه.

قد تكون استراتيجية رئيس الوزراء الإسرائيلي وفريقه الحكومي، السعي إلى منع بايدن ومعسكر الديمقراطيين من انتزاع أي إنجاز عشية الانتخابات لئلا يكون داعما لهم ضد حليفهم دونالد ترامب، لكن كيف لم يتفطن الرئيس ترامب وفريقه السياسي لهذا التكتيك من نتنياهو، ويقطعوا الطريق عليه من خلال الضغط بورقة وقف تصدير الأسلحة الأمريكية، وقد رأينا مفعول قرار سابق لإدارة بايدن بمنع تصدير نوع من القنابل الفتاكة تشكل خطرا على المدنيين في غزة؟

إن الاستقبال الحار الذي حظي به رئيس وزراء الاحتلال من أعضاء الكونغرس بحزبيه الديمقراطيين والجمهوريين خلال إلقائه خطاب يوم 24 يوليوز 2024، يكشف حجم الدعم القوي الذي يتمتع به الاحتلال وسط النخب الحزبية الأمريكية وفي الولايات المتحدة الأمريكية بفعل عوامل كثيرة تاريخية وسياسية واقتصادية ناهيك عن سلطة اللوبي الإسرائيلي هناك، وإن أبان طلبة أكبر الجامعات تضامنا إنسانيا مع ضحايا الحرب هناك، من هنا فلا يمكن فهم هذا التذبذب الأمريكي في عهد الرئيس بايدن إلا بكونه جزءا من هذا الانحياز لصالح الحليف الاستراتيجي للولايات المتحدة الأمريكية.

قد يقال إن مواقف بايدن ضد روسيا عقب احتلالها أراض أوكرانية لم يكن بنفس الحدة والحزم في حالة الحرب الإسرائيلية ضد غزة، وهذا صحيح، لكن هناك فرقا بين روسيا التي تعد عدوا قديما جديدا للولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل الحليف الدائم والاستراتيجي.

لاشك أن السياق الذي اندلعت فيه المواجهة بين إسرائيل وحركة المقاومة الفلسطينية حماس في غزة وحزب الله في لبنان، والذي تزامن مع سنة انتخابية في الولايات المتحدة الأمريكية، قد أثر بشكل كبير على حجم الموقف الأمريكي الذي بدا ضعيفا أمام الغطرسة الإسرائيلية وخرقها الكبير للقانون الدولي الإنساني وإن كانت تتحجج بأنها في حالة دفاع مشروع عن النفس بعد هجوم حماس في السابع من أكتوبر من العام الماضي.

لكن المتتبع لولاية الديمقراطيين بزعامة بايدن، يسترعي انتباهه تباطؤ الإدارة الأمريكية منذ بداية ولايتها في إخراج حل الدولتين من الوجود بالقوة إلى الوجود بالفعل على الرغم من تصريح وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية عند أول زيارة لفلسطين بأن أمريكا حريصة على فتح قنصلية لها لدى دولة فلسطين في القدس الشرقية.

هل سيستمر الدعم الأمريكي المطلق لإسرائيل بعد الانتخابات الأمريكية؟

هل سيضع ترامب حدا للحرب كما وعد في الحملة الانتخابية؟

وماذا عن هاريس في حال فوزها، هل ستكون لها خطة مغايرة بعد مطالبتها بوقف إطلاق النار وإن لم تختلف مع ترامب في الدفاع عن حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها؟

  بقلم: محمد بنلحسن

Top