يعد المجتمع المغربي مجتمعا محافظا وملتزما بعاداته وتقاليده العريقة، تسوده ثقافة الحشمة والوقار، غير أنه شهد في العقود الأخيرة تحولا ملحوظا في بنيته الفكرية، نتيجة لتداخل عوامل عدة مثل العولمة والتكنولوجيا والانفتاح على الثقافات العالمية، أحدثت هذه العوامل تغييرات واضحة في أنماط التفكير والقيم الاجتماعية، خاصة في فئة الشباب، مما أدى إلى بروز ظواهر جديدة من قبيل التنمر الإلكتروني كأحد التحديات الاجتماعية التي تعكس التحولات الفكرية والقيمية في المجتمع، فما هو التنمر الإلكتروني؟ وما هي أشكاله وآثاره؟ وما هي المجهودات المتخذة من طرف الدولة المغربية للتصدي لهذه الظاهرة؟
التنمر الإلكتروني، وفقاً لتعريفات مختلفة، هو سلوك عدواني ومتكرر يتم عبر الإنترنت أو الأجهزة الرقمية، ويهدف إلى إلحاق الأذى النفسي أو العاطفي بالضحية، يستخدم فيه المتنمر وسائل التواصل الاجتماعي، الرسائل، أو غيرها من المنصات الرقمية لتوجيه إهانات، تهديدات، أو نشر شائعات بغرض الإذلال أو المضايقة. يمكن أن يترك آثاراً عميقة على الصحة النفسية للضحايا، بما في ذلك الشعور بالقلق، الاكتئاب، والعزلة.
ويتخذ التنمر الإلكتروني عدة أشكال تستعمل وفق أساليب وأهداف تتضمن الإساءة اللفظية والتشويه وقد تصل إلى التهديد، عن طريق فيديوهات وصور “trolls” قصد التشهير والإهانة.
في المجتمع المغربي يتخذ التنمر الإلكتروني أشكالا متعددة بناء على العرق والمظهر واللون والطبقة الاجتماعية والمهن، كما يمكن إدراج الشخصيات العمومية.
– العرق: تعرض الأمازيغ والعرب وحتى أفارقة جنوب الصحراء، لتعليقات قدحية تستهزئ بثقافتهم أو لهجتهم باستعمال بعض التعليقات ك “عروبي” و”شلح”.
– المظهر واللون: يستهدف الأشخاص بناء على صفاتهم الجسدية والسخرية منهم بتعليقات سلبية على حسب الوزن أو الطول، كما يعاني أصحاب البشرة الداكنة أو الفاتحة من تعليقات تمييزية.
– الطبقة الاجتماعية: الانتقاد والسخرية من الوضع الاقتصادي والمستوى المعيشي للأشخاص، في الطبقة الميسورة ينعتون شبابهم بمصطلح “كلميني” أو “أولاد الفشوش” تعبيرا عن اعتمادهم على دعم أسرهم في تدبير حياتهم، والطبقة المتوسطة ينظر إليهم بالتملق والرغبة في الرقي الاجتماعي، فيما يستهدف الأفراد من الفئة الأقل دخلا بألفاظ تحقيرية “مزلوط” مما يزيد من شعورهم الوصم والتمييز.
وهذا النوع من التنمر يعمق الانقسام ويؤثر على التماسك الطبقي.
– المهن: يمكن أخذ نساء ورجال التعليم نموذجا ،الموظفين الأكثر عرضة للتهكم والتقليل من قيمة مهنتهم والتشكيك في كفاءتهم والتنكيت بهم، هذا التنمر يضع ضغطا على المعلمين يؤدي إلى شعورهم بعدم التقدير مما يؤثر سلبا على عطائهم ويعيق جودة التعليم.
– الشخصيات العامة: التنمر السياسي الإلكتروني، يستهدف الشخصيات العامة والسياسيين بأشكال متعددة، قد يتعرضون للتشويه الشخصي ونشر الشائعات بشكل يمس مصداقيتهم، ويستخدم هذا الأسلوب لإضعاف ثقة الناس بهؤلاء الأفراد، باستعمال كلمات مثل “ماشي ولد الشعب”.
تبقى هذه الأشكال الأكثر شيوعا في المجتمع المغربي والتي تخلق آثارا نفسية عميقة، حيث يشعر ضحايا التنمر الإلكتروني بالتمييز والعزلة، وزعزعة الثقة في النفس والشعور بالدونية والإحباط والتوتر، وقد يدفع البعض إلى الابتعاد عن المشاركة في الحياة العامة.
كما يحدث هذا التنمر فجوات مجتمعية، ويجعل معالجة الظاهرة ضرورة ملحة لحماية التماسك الاجتماعي والصحة النفسية للأفراد.
وهذا يحيلنا إلى ماهية المجهودات المتخذة من طرف الدولة المغربية للتصدي لظاهرة التنمر الإلكتروني.
فالدولة اعتمدت مجموعة من الإجراءات والمبادرات تتنوع بين الإطار القانوني والحملات التوعوية والتعاون الدولي وتعزيز الدعم النفسي.
– الإطار القانوني لمكافحة التنمر الإلكتروني حيث تم وضع نصوص قانونية تهدف إلى حماية الأفراد من الإساءة الرقمية، ويندرج ذلك ضمن القانون الجنائي وقانون الصحافة والنشر (88.13)، حيث يعاقب على التشهير والابتزاز الإلكتروني ونشر محتوى يضر بكرامة الأفراد، مع تعزيز قدرات الشرطة الإلكترونية لرصد الجرائم الرقمية.
– كما تم إطلاق حملات توعوية لفئة الشباب، بشراكة مع المؤسسات التعليمية (توظيف مختصين اجتماعيين ونفسيين) وجمعيات المجتمع المدني بهدف التعريف بخطورة التنمر الإلكتروني واثره على الصحة النفسية وتعزيز ثقافة احترام الآخرين.
– يشمل التعاون الدولي أنشطة متنوعة آخرها إشراف الأميرة للا مريم، رئيسة المرصد الوطني لحقوق الطفل، وبريجيت ماكرون، زوجة رئيس فرنسا، على إطلاق حملة “محاربة التمرد في الوسط المدرسي والتنمر السيبراني”، تحت شعار: “لنعمل معا” بإعدادية أبي ذر الغفاري بالرباط.
في الختام يمثل التنمر الإلكتروني في المغرب ظاهرة اجتماعية متشابكة تتعدى الأذى الفردي تؤثر سلبا على الروابط الاجتماعية، حيث تتداخل فيها عدة أشكال تحتم على الجهات المسؤولة التصدي لها بوضع عدة برامج وخطط بتعزيز الترسانة القانونية التي تجرم هذه السلوكيات والإساءات الرقمية، بالإضافة إلى إطلاق حملات التوعية والدعم النفسي بالأشخاص المتضررين.
يظل التصدي لهذه الظاهرة مسؤولية الجميع لتعزيز الاحترام وحماية الصحة النفسية، مما يقوي المناعة الجماعية للأفراد تجاه التحديات الرقمية المتزايدة.
بقلم: هشام حنوز