انتقدت نزهة الصقلي، رئيسة مجموعة “أوال حريات”، يوم أمس الخميس بالدار البيضاء، ما أسمته بالمعايير المتجاوزة التي تقوم عليها توجهات السياسات العمومية الحالية فيما يتعلق بالحقوق الاجتماعية والاقتصادية للمواطنات والمواطنين، مشيرة أن الدراسات الإحصائية التي ترتكز إليها تلك السياسات، لا تعكس حقيقة تطورات عميقة عرفها ومازال يعرفها المجتمع المغربي، وبالتالي تحد من نجاعتها في إصلاح أوضاع فئات المجتمع المختلفة، وبلوغ أهداف التنمية.
وأعطت نزهة الصقلي مثالا بالورش الكبير للحماية الاجتماعية الذي تراهن عليه حاليا بلادنا، مؤكدة أن المشاريع المتعلقة بهذا الورش ومن بينها تلك المرتبطة ببرنامج الدعم الاجتماعي المباشر، الرامي إلى تحسين الوضع المعيشي للأسر، يفترض أن تأخذ بعين الاعتبار أن نسبة كبيرة من الأسر المغربية لم يعد معيلها هو الأب/الزوج وحده، بل أصبحت تعيلها النساء والرجال معا، من خلال مساهمة المرأة في تكاليف العيش لجميع أفراد الأسرة، وأن عددا مهما من الأسر كذلك تعيلها نساء وحيدات، وأخرى يعيلها الأبناء، في غياب الأب/ الزوج أو معاناته من ظروف صحية أو غيرها.
وطالبت نزهة الصقلي رئيسة مجموعة “أوال حريات”، بسياسات عمومية مرتكزة على معطيات حقيقية حول الأسر المغربية وحول أوضاعها وطبيعة العلاقات داخلها، وذلك بما يضمن الكرامة والمساواة بين أفراد الأسرة الواحدة، ويحقق العدالة والإنصاف فيما بين الأسر المتعددة.
وقالت نزهة الصقلي، خلال ندوة صحفية نظمتها الجمعية، في ختام مشروعها “من أجل أسر مغربية، فضاءات للمساواة والإدماج والأمن والتضامن”، إن التغييرات الديموغرافية والاجتماعية العميقة التي طرأت على المجتمع المغربي تتطلب الاعتراف بواقع الأسر بجميع تركيباتها المتنوعة، وتحديد الأدوار التي يقوم بها جميع أفرادها، وتجاوز “الرؤية النمطية” للأسرة لأنها لم تعد تتوافق مع الواقع المعيش.
وفي نفس السياق، تحدثت رشيدة الطاهري، الكاتبة العامة لجمعية “أوال حريات”، عن حدود احترام الميزانيات القطاعية العمومية لمقاربة النوع في تنزيل مشاريع التنمية الاقتصادية والاجتماعية، مشيرة أن مشروع قانون المالية 2025، عندما يتطرق، مثلا، إلى إحداث قرابة 29 ألف منصب شغل، فإنه يتحدث عن “الأشخاص” المستفيدين، دون تحديد نوعهم، وذلك على الرغم، تقول الطاهري، من أن الأرقام المرتبطة بحاجيات التشغيل تبين مواطن الخصاص وحجم الهشاشة الاقتصادية التي تعانيها النساء.
وأضافت الطاهري أن القوانين التشريعية الحالية، بدورها، وعلى رأسها مدونة الأسرة في صيغتها الحالية، ما زالت “تمأسس للعنف والتمييز ضد المرأة في كل مراحل الحياة من الولادة إلى الممات”.
وفي نفس الإطار، ذكرت الجمعية بمطالبها بشأن تغيير جذري لمدونة الأسرة يأخذ بعين الاعتبار التوجيهات الملكية السامية باحترام الدستور واستحضار التحولات المجتمعية، والملاءمة مع الاتفاقيات الدولية والالتزامات الوطنية بأهداف التنمية.
وقالت نزهة الصقلي إنه “في الوقت الذي يتمسك فيه المواطنون والمواطنات بقناعاتهم/ن الدينية التي تعد جزءا أساسيا من ثقافتنا وهويتنا، فإن لديهم/ن تعطشا كبيرا لتكريس وإعمال الحقوق والحريات بما يحرر جميع الطاقات في المجتمع، ويضمن الكرامة والحماية لجميع فئاته”.
وذكرت نزهة الصقلي، في نفس الصدد، بالمطلب الأساسي الذي عبرت عنه الجمعية في مذكرتها تحت عنوان: “أسر متعددة.. من أجل المساواة داخل الأسرة وبين الأسر”، بضرورة إلغاء جميع أشكال التمييز والظلم ضد المرأة والطفل في التشريعات الوطنية من خلال إصلاح شامل وكامل لقانون الأسرة وقانون العقوبات والتشريعات الأخرى ذات الصلة، وتطبيق المساواة في جميع الأحكام.
كما دعت المذكرة، التي سبق أن تم تقديمها أمام اللجنة الوطنية لتعديل مدونة الأسرة، والترافع حولها لدى مختلف الأطراف المعنية، إلى ضرورة وضع حد لزواج الطفلات وتعدد الزوجات ومعاقبة المخالفين، ومراعاة المصلحة الفضلى للأطفال وضمان حقوقهم، وتنفيذ الآليات المؤسسية الدستورية، ولا سيما تفعيل هيئة المساواة ومكافحة جميع أشكال العنف والتمييز ضد النساء والأطفال.
المذكرة المطلبية المذكورة شكلت تتويجا لثلاث سنوات من العمل الذي قامت به الجمعية ضمن مشروع “من أجل أسر مغربية، فضاءات للمساواة داخل الأسر وبين الأسر”، والذي شمل دراسة ميدانية في عدة مناطق من المغرب، بمشاركة أكاديميين وخبراء، بهدف دراسة طبيعة التحولات التي تشهدها الأسر المغربية وتشخيص أوضاعها. كما تضمن المشروع تنظيم عدة ندوات جهوية ساهم من خلالها باحثون وخبراء وممثلون عن المؤسسات الدستورية والقطاعات الحكومية، وممثلون عن منظمات وجمعيات المجتمع المدني، في إثراء توصيات المذكرة التي وصلت إلى 100 توصية تتمحور حول المواضيع التالية: تعزيز إنتاج البيانات المتعلقة بالتغيرات الاجتماعية، تعديل قانون الأسرة والقانون الجنائي، سن سياسات للحماية الاجتماعية تضمن الحماية والكرامة للجميع، ووضع تدابير مواكبة لرؤية شاملة ومتكاملة للمساواة.
يذكر أن “أوال حريات”، هي مجموعة عمل وتفكير مستقلة، تأسست سنة 2018 بهدف المساهمة في العمل على تعزيز المساواة والحريات والمواطنة للنساء والرجال.
سميرة الشناوي
تصوير: طه الشامي