كتلة المستقبل

مثل البيان الذي صدر عن الكتلة الديمقراطية إشارة جوهرية يبقى حقلنا السياسي الوطني في أمس الحاجة إليها اليوم، ولذلك فليس مهما الوقوف عند تفاصيل ما اتفقت عليه الأحزاب الوطنية الثلاثة وما اختلفت بشأنه إجرائيا، بقدر ما أن الأساسي يتمثل اليوم في إدراكها لما تضعه تطورات المسار الديمقراطي على عاتقها من مسؤوليات كبرى بغاية تعميق الإصلاح وتسريع وتيرته وتوسيع مجالاته.
عندما تعود الاختلالات والتراجعات، وعندما تغادر لوبيات الفساد جحورها وتتربص بالوطن وبحلمه الديمقراطي، وعندما تكثر التوجسات بشأن المستقبل، هنا يحتمي الوطن وأهله بالأحزاب ذات التاريخ وذات الأصل وذات المصداقية، ومن هنا الحاجة إلى تحالف مثل الكتلة الديمقراطية.
ليس الكلام دوغمائيا، بل إن مناضلي الأحزاب الثلاثة هم أول من يعي حجم الهشاشة والاختلال الذي وصل إلى الكيان التنظيمي الداخلي وإلى الامتداد الإشعاعي والى صورة السياسة في هذه البلاد، ولكن برغم كل ذلك ففي هذه الأحزاب بالذات توجد القناعات والأفكار والانتماء السياسي والوطني، ويوجد المناضلون، وبالتالي فإن الكتلة هي التحالف السياسي الأكثر جدية اليوم، والقابل للحياة وللتطور، وأنه يشكل أيضا محور قطب أوسع تلتف حوله كذلك الأحزاب اليسارية الواقعية والعقلانية، ويسعي ليواكب ويفعل في مسلسلات التغيير في البلاد.
لهذا، فإن الكتلة الديمقراطية اليوم تظل إطارا صالحا للعمل المشترك، ومؤهلا لحشد كل القوى الحية بالبلاد حول المشروع الديمقراطي التنموي الذي يطمح الشعب المغربي إلى تحقيقه.
قد تفرض الحسابات الانتخابية الذاتية وإكراهات نمط الاقتراع وباقي العتبات سياقاتها الخاصة ومعاجمها الخاصة في هذا الزمن الانتخابي المكثف، لكن مع ذلك فإن الخروج الموحد لأحزاب الكتلة وإقدامها على تشكيل لجان عمل مشتركة لبلورة أهدافها على أرض الواقع، والنجاح مستقبلا في إعداد أرضية برنامجية مشتركة، وتقوية تواصلها مع قواعدها ومع باقي القوى الحية في البلاد، المؤمنة بالديمقراطية والتقدم والعدالة الاجتماعية، كل هذا من شأنه تفعيل كتلة المستقبل وإعادة الثقة إلى شعبنا في قواه الديمقراطية الأصيلة، ومد بلادنا بالضمانة الحقيقية من أجل إنجاح مسار الإصلاحات التي يرعاها جلالة الملك.
اليوم تعج كل الزوايا بالحديث عن تحالفات وعن أقطاب، ويصيح الكثيرون بضرورة القطبية والحد من البلقنة، لكن في كل ما يعرض علينا هنا والآن تبقى أحزاب الكتلة الديمقراطية الأكثر مصداقية والأكثر امتلاكا لاستقلالية القرار والأكثر جدية، وبالتالي فإن هذا التحالف الديمقراطي هو المؤهل اليوم لحشد قوى جدية أخرى تتفق معه على قيم وأهداف مشتركة بغاية إنجاح مهام المرحلة.
المهمة اليوم أكبر من تقوية  تحالف ثلاثة أحزاب، هي مهمة بحجم الوطن، ولذلك فهي تطرح على قادة ومناضلي وتنظيمات الأحزاب الثلاثة مسؤولية وطنية وإستراتيجية وأخلاقية من أجل النجاح، ولحماية مسار التغيير الذي تشهده البلاد.

Top