الوقت للسياسة وللبرامج

يستمر ارتباط السياسة عندنا هذه الأيام بالتقني والقانوني، ولم نشاهدها أو نلمسها بعد تسير أو تدب بين الناس، وتعرض عليهم الأفكار والبرامج…
أحزاب قليلة لا يصل عددها إلى رؤوس أصابع اليد الواحدة، ومنها حزب التقدم والاشتراكية، باشرت منذ مدة جلسات حوار وتشاور حول البرنامج الانتخابي، كما أن الحزب عقد عشرات اللقاءات والتجمعات في مختلف جهات المملكة ضمن ما أسماه «أبواب الحزب مفتوحة»، وفي المقابل الغالبية العظمى اليوم هي منشغلة في الحسابات والمعادلات التقنوية المرتبطة بالنصوص القانونية والتنظيمية، بالرغم من أنها هي الأخرى ذات أهمية قصوى في ظرفيتنا هذه.
الطبقة السياسية الجادة مطالبة اليوم بحمل السياسة وإنزالها وسط الناس، وتفعيل فضاءات الحوار والتفاعل، وتدارس الأفكار والبرامج، وذلك حتى يكون للاستحقاقات المقبلة رهانها السياسي والمجتمعي الجوهري.
من جهة ثانية، ففي حين شرعت قنواتنا التلفزيونية العمومية في مقدمات برمجة سياسية، وأطلقت برامج حوارية وتفاعلية، مطلوب الاجتهاد في تطويرها مع ذلك، فإن الكثيرين استغربوا لتغييب هذا النقاش السياسي عن الإذاعات مثلا، وهذا الارتباك يفرض اليوم الانكباب المستعجل على موضوع وسائل الإعلام العمومية والسياسة، أي الانشغال بقضايا البناء الديمقراطي في البلاد، والتفاعل مع الأسئلة الكبرى المتداولة وسط الناس، وذلك بعيدا عن «كرونو» الحصص المقررة خلال الحملات الانتخابية، وبعيدا أيضا عن الأسلوب النمطي المعهود في تقديم الآراء والتدخلات الحزبية عبر التلفزيون.
ليس من المقبول عشية كل انتخابات أن نعود للحديث عن البديهيات بهذا الخصوص، وأن نبدأ من البداية في كل مرة، لأن السياق السياسي الإقليمي والوطني، وتطور تقنيات التواصل والدعاية، وتقدم المهنة التلفزيونية والإعلامية، كل هذا لم يعد يترك لنا الحق في الإصرار على التخلف وعلى الجهل وعلى الدرجة الصفر في الوعي بأهمية الإعلام في إنجاح مسلسلات البناء الديمقراطي، وإنماء الوعي المجتمعي.
لا شك أن زمن الدستور الجديد، كان يقتضي الانكباب على الترسانة القانونية والتنظيمية المؤطرة للمسلسل الانتخابي، لكن الزمن ذاته ينبهنا إلى أن الوقت ليس الوقت، والسياق هو غير سابقه، ومن ثم لا بد للإيقاع أن ينتقل إلى سرعة أخرى، ولا بد  للرؤى أن تتضح، وللإرادات أن تتوحد حول الوعي بدقة المرحلة، وحول حاجة بلادنا إلى إنجاح الرهان.

Top