تحالفات و…. تحالفات

تعددت هذه الأيام الإعلانات عن تحالفات حزبية، وبقدر ما أن تعزيزالتقاربات بين الأحزاب يبقى أمرا إيجابيا بغاية إضفاء وضوح أكبر على منظومتنا الحزبية، والتقدم على طريق إفراز أقطاب حزبية وسياسية تقوم وتتمايز فيما بينها على أساس البرامج والأفكار والمشاريع المجتمعية، فإن الكثيرين لا يخفون مع ذلك مشاعر الخشية من أن تتحول هذه الهبة التحالفية المباغتة إلى «موضة جديدة» سرعان ما سيأفل نجمها بعد استحقاقات 25 نونبر، لتترك المكان للعبث نفسه، وللبلقنة ذاتها، وربما لجيل آخر من الانحرافات في حقلنا الحزبي والسياسي.
بعد أن التفت ثمانية أحزاب أو مايشبه ذلك حول تحالف يضمها ويحتضن مطامح أهلها، طفا على السطح مؤخرا تحالف جديد بقي هذه المرة ثلاثيا ووضع المقعد في الوسط المفترى عليه، ويتحدث آخرون عن تحالف ثالث قد يضم ستة أحزاب أو أربعة عشر، والغريب أن المجموعات الثلاث كلها تنطلق في المعظم من منشأ تاريخي متشابه، وغالبيتها لم يكن لها دور يذكر في كل هذا المسار التاريخي الذي سار فيه المغرب إلى اليوم، ومع ذلك هم اليوم يتحدثون أيضا عن الديمقراطية، وعن الحداثة، وعن الجيل الجديد من الإصلاحات، وبقية الكلام..
بعض هؤلاء لم يجدوا سوى تقرير وتوصيات هيئة الإنصاف والمصالحة ثم تقرير الخمسينية ليقولوا بأنهما يمثلان برنامجهما ومشروعهما المجتمعي، ونسيا أن القول بلا جدية، وآخرون ركبوا اليوم الدفاع عن الدستور الجديد، ونادوا بأن هدفهم ليس سوى التنزيل الفعلي لأحكامه..
الغريب في كل هذا، أن الكثير من هؤلاء ينسون أن هيئة الإنصاف والمصالحة جاءت أصلا لطي صفحة الانتهاكات والخروقات التي لم تكن سوى القوى الديمقراطية واليسارية ضحيتها، أما هم فلا أحد يذكر لهم دورا في المعركة من أجل الديمقراطية، بل إن بعضهم كان في الموقع الآخر بكل الصراحة الفاضحة، ومع ذلك لا يخجل اليوم في الحديث عن الهيئة وعن توصياتها.
بعض المتنطعين لا يترددون أيضا في القول بدفاعهم عن الدستور الجديد، وينسون أنهم لم يسبق أن رفعوا مطلبا دستوريا واحدا، بل إن منهم من عارض كل إصلاح، حتى لما شرع في المشاورات التي أدت إلى دستور فاتح يوليوز، ورغم ذلك جاء أول أمس إلى القناة الثانية وقال للمغاربة بأن حزبه حداثي وتقدمي، وضحك الكثيرون، وحزنوا جراء هذا الافتراء على حداثة بلا سياسة، وبلا فكرأوثقافة.
من حق كل هؤلاء طبعا أن يتحالفوا، وأن يتعانقوا، وأن يسرقوا الأفكار والشعارات، لكن المغاربة من حقهم اليوم أن يتوفر لهم الوضوح في مشهدهم الحزبي والسياسي، وأن تتشكل التحالفات من أحزاب جدية ولها قرارها المستقل في المبادرة وفي الفعل …

[email protected]

Top