مع كل الود

‬يبدأ الاقتناع الديمقراطي عند الأشخاص والجماعات أولا بالإيمان بحق الآخرين في تبني المواقف والأفكار والاختيارات التي يشاؤون، وعندما يتشبث حزب التقدم والاشتراكية بالاحترام المطلق لحق القوى الأخرى، وأساسا الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، في تبني الموقف الذي تريده قواعدها وأجهزتها الداخلية من المشاركة أو عدمها في الحكومة المقبلة، فلأنه ينطلق في ذلك من مسلكيات فكرية ديمقراطية تربت عليها كل أجياله، ويجسدها بالامتناع عن التدخل في الشأن الداخلي للأحزاب الأخرى، خاصة الحليفة له، والتي تجمعه بها قيم ومرجعيات…
اليوم الحزب لا يطلب هو الآخر سوى حقه في اتخاذ قراره بشكل مستقل، ومن دون تدخل الآخرين، مهما كان ودهم أو صدق نواياهم.
الحزب لم يطلب من أحد تبني مواقفه أو أفكاره، لكنه في نفس الوقت لم يقبل أن يحدد له أحد آخر مساحات التحرك والموقف، ويضع له السقوف والحدود والمآلات…
لقد حدثت في السابق اختلافات بين الحزبين اليساريين الحليفين، وتباينت بينهما التقديرات والقياسات، ورغم ذلك بقي الإصرار عاليا على الود والتقارب والعمل المشترك، وكان اللقاء من جديد، وكانت الكتلة الديمقراطية، وكانت بقية المسار..
اليوم، نحن جميعا أمام محطة تاريخية أخرى ليست بالسهلة أيضا، وحدوث التمايز في موقف الحزبين أمر طبيعي، خصوصا عندما تنبثق المواقف من داخل الإرادة الذاتية الحزبية المستقلة، ومن دون اتفاقات مسبقة تلزم هذا الطرف أو ذاك، ولن يعني كل هذا أن الطريق ستجعل أحد الحزبين يخطئ التصويب، لأن في مستقبل العلاقة بينهما توجد أهداف مشتركة أخرى عليهما النضال من أجل تحقيقها بالأشكال والأساليب التي سيبدعها ذكاؤهما المشترك، ومن شأن الحفاظ على صلات الود، والتدبير الذكي للمرحلة أن يشجع على خوضها معا.
لقد عمد حزب التقدم والاشتراكية من البداية إلى جعل الحوار بين أعضاء مكتبه السياسي مفتوحا وواسعا وصريحا وممتدا لينصت الكل للكل، ثم عمم كل التدخلات عبر مواقع الانترنيت وشبكة التواصل الداخلي في الحزب، وصار عدد واسع من المناضلات والمناضلين بمختلف جهات المملكة على علم ودراية بمواقف ومقاربات بعضهم البعض، ثم تأتي اليوم اللجنة المركزية لتتخذ القرار النهائي، وتحسم بين الآراء بالأسلوب الذي تكفله الأعراف الديمقراطية، وتنص عليه قوانين الحزب وأنظمته، تماما كما فعل عند بلورة موقفه من الدستور، ولدى اختياره مرشحاته ومرشحيه في الانتخابات الأخيرة، وفي مرحلة سابقة لدى بحث الحزب عن موقف متكامل من تحولات العالم وسقوط جدار برلين…
في كل اللحظات الكبرى إذن يختار حزب التقدم والاشتراكية الإنصات إلى ذاته، وإعمال فكره الجماعي، وفي النهاية الاحتكام إلى القواعد الديمقراطية، ودائما ضمن الحرص القوي على القرار المستقل والموقف المستقل والتفكير المستقل…
إنها ميزة وخصوصية المدرسة السياسية والفكرية التي دامت في المغرب أزيد من 68 سنة، وهي ليست نزوات طارئة، أو أنها  قطرت بها سقوف مثقوبة.
هناك حاجة قصوى اليوم لإبعاد هوامش الكلام والسلوك وصراعات الخواء، ولذلك يحتاج العقلاء إلى عقلهم، ويحتاج البلد إلى الكثير من الرزانة وثبوت الأقدام ووضوحية النظر…

[email protected]

Top