شعبنا ليس متطرفا

تحتاج المرحلة السياسية التي يدشنها اليوم المغرب مواكبة إعلامية وتحليلية مكثفة ومنتبهة ورصينة بلا شك، وهي تفرز أيضا أسئلتها وتجليات القلق والحيرة من بعض مميزاتها وتفاصيلها، ووحده النظر العلمي والسياسي الرصين من شأنه تأسيس متابعة وازنة للتجربة ولامتدادها السياسي والمجتمعي. وفي هذا الإطار، فإن استطلاع الرأي الذي نشرته «أكتيال»، بقدر ما يقدم لنا بعض الحقائق، فإنه أيضا يثير أسئلة لها علاقة بالتقنيات والميكانيزم، كما يحفزنا على تفكيك بعض الاستنتاجات التبسيطية التي تقود أصحابها إلى خلاصات متسرعة وبلا معنى.
سيكون من باب الهبل حقا أن نبادر هكذا وبضربة مزاج إلى التصريح بأن شعبنا صار متطرفا، وتحكمه مواقف متطرفة في الميول وفي الاختيار، ونوزع هذا الكلام كما لو أنه حقيقة مطلقة، نحذر بها شعبنا من شعبنا.
إن نتائج انتخابات 25 نونبر أفرزتها سلوكات متصابية من أطراف سياسية يعرفها اليوم الجميع، وقد صفعها الناخبون بأصواتهم، وعبروا بذلك عن رفضهم لإعادة إنتاج التحكم والتطويع في الحياة السياسية والحزبية…
اسألوا عددا من رؤساء الجماعات في جهات مختلفة من المملكة عن حجم وطبيعة الضغوط والمضايقات التي تعرضوا لها أثناء فترة إيداع الترشيحات وقبلها وبعدها، وابحثوا في التزكيات كيف بدلت وسط مكونات التحالف الهجين نفسه، وكيف مورست الضغوط والابتزازات…
وإن النتائج حكمتها أيضا رغبة شعبنا في رؤية حلول ملموسة لمطالبه الاجتماعية والاقتصادية، ومبادرات حقيقية لمحاربة الريع والرشوة والفساد، وبالتالي، فإن التصويت مثل، بهذا المعنى، صرخة من أجل التغيير الحقيقي، ومن أجل سرعة أكبر في إنجاز الإصلاحات الديمقراطية والبرامج التنموية.
ثم إن النتائج ساهمت في صنعها كذلك خطط الأحزاب نفسها، ومستويات التعبئة والانضباط داخلها، وهذا أيضا يجب أن نقر به.
إن شعبنا في غالبيته وسطي في تدينه وفي إيمانه وفي سلوكه، وبلادنا أيضا لا يمكن أن تكون قوية إلا بانفتاحها وتسامحها وبتعدد هويتها الحضارية والثقافية، أي بتقوية مشروعها المجتمعي الديمقراطي الحداثي القائم أساسا على هذه الركائز والطبائع والقيم.
المغاربة اليوم يتطلعون إلى الحكومة الجديدة لتقوية منظومة الحكامة الجيدة في البلاد، ومحاربة اقتصاد الريع وتمتين دولة القانون في المجالين السياسي والاقتصادي، والقضاء على الفساد والرشوة والمحسوبية…
المغاربة اليوم يريدون تحسينا ملموسا لأوضاعهم المعيشية اليومية في مجالات التشغيل والصحة والتعليم والسكن، وتحسين شروط ولوجهم لخدمات الإدارة ولعلاقتهم اليومية بالسلطات وبمختلف أجهزة الدولة…
المغاربة اليوم يأملون الإحساس بالأمن والأمان على واقعهم وعلى مستقبلهم وعلى مستقبل بلادهم وتقدمها واستقرارها…
هذه هي معاني التصويت في 25 نونبر ودلالاتها ورسائلها، وعلى هذه الأسس ستنبني مؤشرات الحكم على التجربة، فضلا عن حماية وتطوير مكتسبات شعبنا في مجالات الديمقراطية والحرية والمساواة والتعددية.
[email protected]

Top