إصلاح المقاصة

يعتبر إصلاح صندوق المقاصة من الإصلاحات الإستراتيجية الكبرى، وأيضا الضرورية لبلادنا اليوم، ومن ثم، فهو ملف يستحق أن يبعد عن كل المزايدات السياسوية، ويتعبأ كامل الطيف الحزبي والنقابي والاقتصادي الوطني لدراسة تفاصيله، وسبل إنقاذه خدمة للمسار الاقتصادي والاجتماعي، ولمستقبل بلادنا وشعبنا.
لقد أعلنت الحكومة أن قرار الرفع من أسعار بعض المحروقات كان خيارا اضطراريا، لكنه ليس حلا نهائيا، وإنما لابد أن يندرج الأمر ضمن منظومة إجراءات مواكبة وإصلاحات تمس في العمق صندوق المقاصة، بما يجعل مخصصاته تستهدف الفئات المحتاجة فعلا، كما أن موضوع صندوق المقاصة بقي مطروحا،على الأقل، طيلة الخمسة عشر سنة الأخيرة، دون أن تتجرأ الحكومات المتعاقبة على السير فيه بعيدا، رغم قيامها ببعض الإجراءات الجزئية الهامة، واليوم لم تعد البلاد تستطيع مزيد تحمل، بالنظر إلى تزايد الحاجيات، وإلى اختلاف السياقات..
ونظرا لاستعجالية الأمر وحساسيته، فقد أعلنت الحكومة في الأيام الأخيرة، أنها شرعت فعلا في العمل على ملف صندوق المقاصة، وأن لقاءات قد عقدت بينها وبين أرباب القطاعات المعنية بالدعم من أجل دراسة سيناريوهات الإصلاح، والاتفاق على منظومات مستقبلية للحل، كما أن الحكومة تعتزم جعل العام الجاري عام الإصلاح في هذا المجال.
السياسيون، وأيضا خبراء الاقتصاد يجمعون على أن نظام المقاصة اليوم يفتقد إلى الإنتاجية والمردودية والفعالية، كما أنه يرهق الميزانية العامة للدولة التي لم تعد قادرة على تحمل المزيد في ظل الظرفية الاقتصادية الوطنية والعالمية الحالية، وبالتالي، فمنطقيا يجب اليوم أن يتبلور هذا الاتفاق من خلال انخراط كل الأطراف ليس فقط في توحيد التشخيص، وإنما في البحث المشترك عن حلول، وفي تجاوز الحسابات الحزبية والسياسوية لإيجاد حلول حقيقية لهذه المعضلة، وذلك عبر تغيير نظام الدعم في عمقه، وترسيخ الشفافية والحكامة الجيدة والنجاعة في تدبير وإدارة الدعم، فضلا عن إصلاح الأسعار، وإصلاح وتأهيل القطاعات المدعمة…
النجاح في إصلاح صندوق المقاصة ونظام الدعم لن يحسب لهذا الطرف الحزبي أو ذاك، كما أن النجاح لن يكون مقابلا دعائيا أو انتخابيا لفشل طرف أو أطراف حزبية أخرى في الملف، وإنما النجاح في النهاية سيكون إنقاذا للبلاد ولاقتصادها، وحماية لمستقبلها، وبالتالي، فإن المساهمة في صنع هذا النجاح مسؤولية وطنية مطروحة على مختلف الأطراف السياسية والنقابية والاقتصادية..
ليتجاوز الكل إذن أمراض وأعطاب الأنانية الحزبية من أجل مباشرة شجاعة لهذا الملف الحساس والحيوي لمستقبل شعبنا.

[email protected]

Top