هولندا ومتقاعدونا

يثير قرار الحكومة الهولندية خفض التعويضات الاجتماعية الممنوحة لذوي حقوق المتقاعدين المغاربة، وذلك بنسب قد تبلغ أربعين في المائة، استياء العديد من الأسر المغربية من أرامل وأبناء مهاجرين مغاربة قضوا عقودا طويلة من العمل في الديار الهولندية، وساهموا بسواعدهم وعرق جبينهم في بناء الدولة الهولندية وإنشاء بنياتها وتجهيزاتها. إن الأمر يتجاوز السجالات السياسية بين الأطراف الحزبية المتنافسة داخل هولندا، ويتعدى انعكاسات الأزمة الاقتصادية والمالية الأوروبية، ليمس الجوانب الحقوقية في سياسة هولندا، ويطرح السؤال السياسي والحقوقي كبيرا وفاضحا عن هولندا، وعن أوربا بصفة عامة.
ليس مقبولا هذا التمييز في التعويضات بين أسر متقاعدين هولنديين وأسر نظرائهم المغاربة، فقط لأن الأخيرة اختارت قضاء آخر العمر فوق التراب الوطني، حيث أن القضية الجوهرية هنا هي أن هؤلاء المتقاعدين وأولئك قدموا ذات الخدمات ونفس الجهد لهولندا، وبالتالي فهم يستحقون التعويض نفسه، ويجب أن يشملهم القانون الهولندي على قدم المساواة.
اليوم يحضى هؤلاء المواطنون بتعاطف جهات كثيرة في المغرب وهولندا، وقد عبرت الحكومة المغربية عن مساندتها لمطالبهم، كما أبدت أوساط برلمانية مغربية التأييد نفسه، بالإضافة إلى منظمات جمعوية ومدنية في المغرب وهولندا، ومن الضروري تقوية هذا التضامن، وتمتين الالتفاف الرسمي والديبلوماسي والمدني والحقوقي لدعم هذه الأسر المغربية كي تنال حقوقها بلا تمييز.
وفي هذا الإطار، يجب التشبث بالحوار الديبلوماسي والسياسي بين السلطات المغربية ونظيرتها الهولندية، وتكثيف الجهود الحكومية على هذا الصعيد، لكن أيضا من الضروري تعبئة تنظيمات الجالية المغربية في هولندا، والكفاءات السياسية والقانونية والاقتصادية والمنتخبة من داخلها بتنسيق مع نشطاء وفاعلين هولنديين من أجل استثمار المساطر القضائية والقانونية الهولندية قصد رفع الحيف أو على الأقل وقف تطبيق القرار إلى غاية اجتماع اللجنة المختصة بين البلدين حول الموضوع، كما سيكون مهما أيضا التفاعل مع المنظمات الحقوقية المغربية والهولندية والدولية، وجمعيات المهاجرين، وذلك لتقوية التعبئة والضغط داخل المشهد السياسي والإعلامي بهولندا لصالح المطالب التي ترفعا اليوم هذه الأسر المغربية المتضررة.
قرار الحكومة الهولندية يمثل كذلك تحديا أمام جاليتنا ومتقاعدينا في بلدان أوروبية أخرى، ما يهدد بانتقال العدوى، خصوصا في ظرفية الأزمة هاته، ومن ثم تبرز الحاجة إلى استنفار حازم من لدن السلطات المغربية للدفاع عن حقوق العمال المهاجرين المغاربة وأسرهم تجاه قوانين وقرارات بلدان الإقامة.
[email protected]

Top