برلمانيات في … السعودية

يستمر مطلب تقوية التمثيلية السياسية للمرأة في فرض نفسه بمختلف البلدان العربية، وتتنامى النداءات وسط المجتمع بشأن ذلك، حيث أن الديمقراطية أصلا تكون بلا معنى من دون التمكين السياسي والقانوني للنساء، ومن دون ترسيخ المساواة في مختلف مناحي الحياة. المملكة العربية السعودية، وبالرغم من طول تخندقها داخل منظومة تقليدية ومحافظة لاعلاقة لها بقيم هذا العصر، وصلها اليوم هذا المد، وصارت هي الأخرى مدعوة إلى تقبل لغة هذا الزمان، أي الديمقراطية وحقوق الإنسان والمساواة، وبات من المؤكد أن الشعوب، مهما تأخر سيرها أو تعثر، فهي تتوجه دائما إلى الأمام، أي إلى التقدم والعدالة الاجتماعية والانفتاح والديمقراطية.
وان الخطوة التي أقدم عليها العاهل السعودي قبل أيام، والمتعلقة باختيار ثلاثين امرأة لعضوية مجلس الشورى المعين، لا تخلو من تفاعل مع الدينامية الكونية، ومن إنصات أيضا لمنطق التاريخ، وبالتالي، فهي قد تمثل بداية لإحداث انفتاح أوسع في المجتمع السعودي، يشمل السياسة والمؤسسات وباقي مجالات الدولة والمجتمع، خاصة أن قضية المرأة هي دائما المدخل لتحقيق التغيير السياسي والثقافي والاجتماعي في كل بلد.
إن الطبيعة الايجابية لقرار الملك عبد الله بن عبد العزيز يمكن تلمسها أيضا من خلال استحضار خطاب سابق له في 24 شتنبر 2011 تحدث خلاله عن دور النساء في الإسلام، ومن خلال خطوات رمزية أخرى لم تخل من دلالة، بالنسبة لبلد لا زالت فيه قيادة المرأة للسيارة مشكلة مجتمعية حقيقية، وهذا يعني أن دينامية الإصلاح والتغيير في المملكة الوهابية يتحرك إيقاعها على ضوء صراع مع العقليات المتزمتة، ومع تراكم الإرث التاريخي والثقافي في المجتمع، ما يجعل كل خطوة، مهما كانت بسيطة في المنطق الكوني، تستحق التشجيع والتنويه، وذلك بغاية إحداث تراكم إصلاحي يطور المكاسب والخطوات لصالح المرأة السعودية في المستقبل.
من دون شك، إن التفاعلات السياسية والمجتمعية الداخلية في السعودية، وأيضا ما يميز  محيطها الإقليمي من حراك وسخونة وتحديات، تفرض على البلاد رهانات لابد من خوضها وكسبها، ولعل مجلس الشورى، الذي تنطلق دورته الخامسة اليوم الثلاثاء، واحدا من مجالات هذا الإصلاح المطلوب، وذلك بالانتقال إلى جعله منتخبا، والى جعل المؤسسة البرلمانية تنتظم ضمن الآلية الديمقراطية المتعارف عليها كونيا، والى جعل الأعضاء، نساء ورجالا،على الأقل يلجون من بوابة واحدة، ويقتسمون ذات الأمكنة للجلوس، ويكون الاختلاف بينهم على أساس الأفكار والمرجعيات والاختيارات، وليس على أساس الجنس، لكن مع ذلك، فان كل المراقبين يؤكدون أن التركيبة الجديدة لمجلس الشورى التي أعلن عنها العاهل السعودي جاءت متميزة عن سابقاتها.
المجلس الجديد يضم ثلاثين سيدة طبعا، لكنه يتميز أيضا بتجديد تزيد نسبته عن ستين بالمائة على مستوى كامل عضويته، فضلا على تمثيلية الأعضاء لأغلب مناطق البلاد، ومعظمهم من ذوي الشهادات العلمية العليا، ومن التقنوقراطيين، وكل هذا يجعل المرحلة المقبلة جديدة ومفصلية فعلا، ويجعل التطلعات مركزة على ما سيأتي من خطوات أخرى تقوي المساواة والانفتاح في المملكة العربية السعودية.
[email protected]

Top