إصلاح أنظمة التقاعد

يجري الانكباب اليوم على بلورة منظومة شاملة ومتكاملة لإصلاح أنظمة التقاعد في بلادنا، وسط قناعة موحدة لدى كل الأطراف المعنية بضرورة واستعجالية هذا الإصلاح الجوهري، وهذا المعطى في حد ذاته مهم وأساسي في سياق البحث عن حلول لإنقاذ صناديق التقاعد، ولديمومتها، ولحماية المكتسبات وأيضا تأمين حقوق المتقاعدين القادمين.
صحيح أن هذا الملف الهام والحساس جدا أثير في السنوات السابقة، وجرت بشأنه اجتماعات وقدمت تصورات ومشاريع، لكن هذه المرة يبدو واضحا أن الانكباب عليه يكتسي طبيعة أكثر جدية، وانخرطت كل الأطراف في التشاور وإبداء الرأي، وإذا نجحت هذه الدينامية فستكون بلادنا قد ربحت إنجاز ورش إصلاح أساسي ومهيكل في إطار السعي للنهوض بالأوضاع الاجتماعية لشعبنا.
لم يعد اليوم مقبولا غض النظر عن استعجالية إصلاح منظومة التقاعد في بلادنا، أو التخوف من الانعكاسات السياسية والانتخابوية على من سيقود مسلسل الإصلاح، فهذا الأسلوب الذي كان حاضرا في السنوات السابقة، زاد في تفاقم الأزمة، وصار اليوم أمام الباب المسدود، ولم يعد هناك بديل حاليا سوى الانكباب الجدي على الملف، والسير به إلى… الإصلاح الحقيقي والشامل.
ولإنجاح هذه الدينامية الإصلاحية، لابد اليوم من وعي كل الأطراف بخطورة الأزمة، وأيضا بقلة الخيارات المطروحة أمام المسؤولين، بالإضافة إلى أن الإصلاح لن يكون بلا كلفة، ما يتطلب من الجميع الانتقال بالنقاش حول الموضوع إلى أفق منفتح دون إغلاق الباب أمام أي خيار ممكن وقادر على إنقاذ المنظومة من الانهيار.
وفي السياق نفسه، فإن كلفة الإصلاح لابد أن تتحمل الدولة جزأها الأكبر، وتفادي جعل الشغيلة والمتقاعدين يتحملون كلفة ما أفسده آخرون غيرهم، كما أنه من الضروري استحضار أهمية تطوير آليات التدبير والحكامة في كل تصور لإصلاح صناديق التقاعد، وبلورة رؤية مستقبلية لتدبير المدخرات تقوم على مصالح الطبقة العاملة أولا وعلى أهمية حماية مستقبلها بعد الإحالة على التقاعد، وبذلك سيتم تفادي تكرار الممارسات التي قادت إلى الأزمة، وهي تتعلق بطريقة التعامل مع الأموال المدخرة، وأيضا بنوعية التدبير والحكامة التي اتبعت طيلة عقود داخل الصناديق.
من جهة أخرى، إن إصلاح أنظمة التقاعد اليوم يجب أن يدرج ضمن سلة إصلاحات تهم الجوانب الاجتماعية كاملة، وذلك بما يرتقي بخدمات الصناديق إلى ما يجعلها تغطية اجتماعية حقيقية تؤمن الكرامة للمستفيدين ولأسرهم.
وفي المجمل، فإن السياق المؤسساتي والدستوري والسياسي الذي يؤطر عمل الحكومة الحالية يؤهلها أكثر من أي وقت مضى لتقود إصلاحا من هذا النوع إلى نهايته، وإلى ما يجعله منجزا اجتماعيا لفائدة الشغيلة وعموم شعبنا، كما أن خطورة وضعية هذه الصناديق اليوم تفرض أيضا على كل الأطراف ذات الصلة الابتعاد عن السجالات التقنوية العقيمة، والبحث عن حلول جدية وعاجلة ومتوافق عليها للخروج من الأزمة، ولطمأنة شعبنا عن المستقبل.
[email protected]

Top