دفاعا عن هشكار وعن… الحرية

بقدر ما جعلنا الصراخ الذي افتعل مؤخرا حول الفيلم الوثائقي «تنغير – جيروزاليم: أصداء الملاح» لمخرجه كمال هشكار، نحس بالقرف والحزن لما بلغته عقول البعض من سطحية، وما باتوا يحترفونه من خواء الكلام، فإننا في نفس الوقت شعرنا بالأمل، لما عرض الفيلم في مهرجان طنجة، وشاهده الناس، ووقف بضع عشرات يحتجون في الشارع أغلبهم لم ير الفيلم أصلا.
هل يمكن إذن أن ننتقد فيلما ونعبر عن رفضنا له ونحن لم نشاهده أصلا؟ إنه السؤال الجوهري المطروح على بعض أصوليينا وقومجيينا، ويفرض عليهم التفكير في تغيير مقارباتهم من أصلها، واعتماد بعض شجاعة في التفكير، وفي أشكال التعبير.
إن العمل الذي قدمه المخرج والباحث الشاب كمال هشكار، وسبق أن عرضته القناة الثانية، يعتبر أولا وقبل كل شيء إبداعا شخصيا له، وله كامل الحق والحرية في عرضه وتقديمه والتعبير عنه، وعلى الآخرين نقده وتحليله وقراءته، لكن ضمن أدوات النقد الفني، وليس بإقحام خلفيات سياسية وتأويلات إيديولوجية لا علاقة لها أصلا بالعمل السينمائي موضوع الكلام.
وفي السياق نفسه، إن المخرج كمال هشكار يحتفي في عمله هذا بالمنطقة التي ينحدر منها، أي تينغير، ويبرز الهوية المتعددة لساكنتها، ولشعبنا في عمومه، ويستحضر التاريخ والأمكنة والأشخاص والعلاقات وكثير حكايات ومشاعر، ونخشى أن يكون هذا الأفق هو بالذات الذي أثار الصراخ، أي من الجهات التي ترفض النظر إلى المغرب من داخل تعدديته الحضارية والثقافية واللغوية.
المغرب ياسادة ياكرام هو هذا التعدد بالذات، وما رواه شخوص فيلم هشكار من داخل أسوار تنغير ومن باقي الأمكنة، هو الحكاية الحقيقية للفيلم…
واليوم عندما نرعب السينمائيين والمسرحيين والأدباء والصحفيين، ونبدأ كل مرة في رسم دوائر ومنغلقات أمامهم وحواليهم، فإننا نكون بصدد توفير الأرضيات المشجعة على الانتقال بالهجوم والاستهداف إلى ما هو أخطر، ومن هنا تنبع الحاجة إلى تقوية المقاومة لكل هذا الجنون الذي يتربص بفنانينا ومبدعينا، وبالأفق المنفتح لمسار بلادنا وشعبنا.
لما اغتيل أول أمس الناشط السياسي اليساري شكري بلعيد في تونس،  فورا تذكر الكثيرون أن خطيب مسجد سبق أن شنع به وأهدر دمه، وأن وزيرا قال في حقه كلاما تحريضيا نقل مباشرة عبر التلفزيون، وبالتالي فقد كان متوقعا أن يتلقى المنفذون الرسالة ويسارعوا إلى ترجمتها بواسطة رصاصات أردت الراحل قتيلا أمام منزله، ونفس الأسلوب تكرر مرارا في بلدان عربية أخرى، وفي مراحل تاريخية مختلفة، ولهذا نرفض الهجوم الذي استهدف فيلم هشكار، وننادي بتمتين جبهة المقاومة والتصدي دفاعا عن بلادنا وعن المستقبل الديمقراطي لشعبنا.

[email protected]

Top