إرادتان مختلفتان

عاد خصوم الوحدة الترابية للمغرب مرة أخرى إلى إطلاق الوعد والوعيد، وإلى التهديد بالعودة إلى حمل السلاح، وذلك بمجرد ما لوحظ في محيط مجلس الأمن بنيويورك أمس نوع من التبدل في مواقف بعض القوى العظمى تجاه المقترح الأمريكي المتعلق بتوسيع صلاحيات بعثة «مينورسو» لمراقبة أوضاع حقوق الإنسان. وهكذا، بدا أحد قياديي الجبهة الانفصالية متوترا جدا، ولم يتردد في الإعلان بأن جماعته «ستتجه نحو حرب ستكون لها تداعيات على المنطقة».
واضح إذن، أن الطرف الآخر لا يمتلك سوى ترديد أسطوانة التهديد التي يكررها منذ سنوات، ولم يستطع إلى اليوم الخروج من منغلقات التكلس في الموقف، والجمود في التفكير، ليقدم، بدل ذلك، تصورا واقعيا وجديا للحل السياسي لهذا النزاع المفتعل.
الأمر يتعلق بإرادة واضحة للإبقاء على النزاع قائما، ورغبة في استمرارية التوتر واستدامة مبررات الضغط والابتزاز، والمطلوب اليوم من المجتمع الدولي هو الضغط من أجل تغيير هذه الإرادة بالذات، وبالتالي دفع الطرف الآخر إلى التقدم نحو الإرادة الأخرى، أي إرادة المغرب التي عبر عنها عشرات المرات من أجل الوصول إلى حل سياسي نهائي عادل للنزاع، يكون مقبولا من الطرفين.
لقد استنفذت المملكة كل التنازلات الممكنة على هذا الصعيد، وقدمت مقترحا للحكم الذاتي ضمن السيادة المغربية، وصفه الكثيرون عبر العالم بالواقعي والجدي، وقدمت أدلة عديدة، وفي مناسبات مختلفة، عن التزامها القوي بالسعي إلى الوصول إلى حل سياسي متفاوض عليه للنزاع، وفي المقابل لم يعرض الطرف الآخر ولو فكرة جدية واحدة لحد الآن، وبقي حبيس شعاراته العتيقة، وجموده المعروف.
وإن الأمم المتحدة والمجتمع الدولي مطالبان اليوم بتسجيل وجود إرادتين واضحتين، تسعى الأولى إلى حل سياسي نهائي واقعي وتوافقي للنزاع المفتعل، وبالتالي الخروج من مخلفات الحرب الباردة، والانتقال إلى التصدي المشترك بين دول المنطقة لمختلف التحديات الأمنية والإستراتيجية والتنموية المطروحة إقليميا ودوليا، في حين تصر الثانية على إبقاء التوتر، وتهديد العالم كله بإشعال الحرب، وأيضا المزيد من الاشتعال في المنطقة.
وعندما يصر المغرب على الاستمرار في إبراز  الإرادة الأولى، أي إرادته القوية من أجل السلم والأمن والاستقرار والتنمية، فهو يجسد بذلك طبيعته كدولة حقيقية راسخة في الوجود والتاريخ، وأيضا كمساهم في حماية الاستقرار والأمن والسلم في المنطقة وفي العالم، ولكنه أيضا لن يسمح بأن تتم «معاقبته»على انفتاحه هذا، وعلى كونه البلد المستقر والآمن في المنطقة، والقادر على إشعاع الديمقراطية والتنمية والانفتاح والتعاون، والشعب المغربي بكامله لن يسمح باستهداف سيادته الوطنية ووحدته الترابية، فقط لأن قوى دولية ترغب في حماية مصالحها، وإنجاح حساباتها الاقتصادية والإستراتيجية في المنطقة، ولو على حساب الحقوق المشروعة للمغرب.
[email protected]

Top