ماذا بقي في البال من فاتح ماي؟

في مسيرات وتجمعات المركزيات النقابية بمناسبة فاتح ماي، عيد العمال العالمي، حضرت المطالب المعروفة، والشعارات المألوفة، ونزل العمال إلى الشوارع والساحات للتذكير بملفاتهم المطلبية العامة والقطاعية، ثم…اكتمل اليوم، وعاد الجميع من حيث أتى.
الذي بقي عالقا هذه المرة في أذهان كثير من المتتبعين هو العودة الواضحة لقاموس الشتائم والاتهامات ضمن خطب بعض الزعماء النقابيين. هذا نقابي عجيب جدا يصرخ أمام المتحلقين حوله بأنه وحده انتبه قبل أيام إلى وزير في الحكومة الحالية كان في حالة سكر وهو يحضر جلسة برلمانية، ولم يكلف نفسه لا عناء تقديم الحجة على قوله، ولا مشقة شرح المراد من هذه التفاهة في العقلية، وفي الكلام…
وحتى عندما رمى النقابي نفسه ضمن ثنايا الكلام اتهاما ثانيا لوزير آخر وصفه بالكذب والنفاق، فإنه لم ير هنا أيضا ضرورة لطلب الاستغفار جراء هذا السقوط إلى المنحدر.
إن الأوضاع الاجتماعية لفئات واسعة من شعبنا صعبة بالفعل، وإن المسالة الاجتماعية تتطلب اليوم انكبابا عاجلا وجديا من لدن الحكومة لمعالجتها، لكن ذلك لن يتم بواسطة هذا الإصرار المرضي على تفاهة اللغة وانحطاط الكلام في خطب ومواقف النقابيين والسياسيين، ولا أيضا بواسطة عبث يتشبث به البعض اليوم على صعيد المواقع والاصطفافات، وإنما بواسطة التزام كل الفرقاء بالوضوح، وبتقاسم المسؤولية والانكباب المشترك على العمل .
لقد ذكرتنا مسيرات فاتح ماي، من جهة أخرى، بضعف جماعي واضح في مستويات التنقيب، وبأن كثرة الدكاكين النقابية المفتوحة لم تنجح في تجاوز هذا الضعف، وبالرغم من ميل استعراضي متوهم لدى البعض، أو قفز على الأرقام لدى الآخرين، فان الحقائق راسخة، وتفيد أن الطريق لا زال طويلا أمام الجميع لتقوية أعداد المنخرطين في النقابات، ولتمتين الوعي والتكوين النقابيين وسط الشغيلة.
ولقد أعادت مسيرات عيد العمال لهذه السنة التذكير أيضا بمعضلة استغلال العمل النقابي لتصفية الحسابات الحزبية، وشاهدنا وسمعنا في كثير من منصات الخطابة مواقف سياسية وحزبية لا علاقة لها لا بالعمال ولا بفاتح ماي ولا هم يحزنون.
وبالإضافة إلى ما سلف، فإن كثيرا من الشعارات التي رددت أو كتبت، يعود تاريخها لسنوات وعقود سابقة، وهذا معطى مهم أيضا يجسد الحاجة إلى إبداع في الخطاب وفي الأشكال وفي الشعارات.
فاتح ماي، مناسبة أصرت خلالها الطبقة العاملة على النزول إلى الشارع للتذكير بمطالبها وشعاراتها، وتخليد هذا التقليد النضالي الأممي، وبالتالي التأكيد على الدور التاريخي لجماهير العمال في دينامية النضال الاجتماعي والحقوقي والديمقراطي لشعبنا، ولكن المناسبة كشفت أيضا عن كثير تجليات ضعف، وعن اختلالات واقعنا النقابي، سواء في الشعارات، أو في معجم الكلام، أو في الاستغلال السياسوي.
نحتاج فعلا إلى الكثير من العقل، كي تستعيد ممارستنا النقابية بهاءها النضالي، ووضوحها، و…أخلاقياتها.
[email protected]

Top