ليس في الصحراء فقط الانفصاليون

بالرغم من كثير ضجيج وتشويش تتسبب فيه هذه الأيام عناصر انفصالية داخل الأقاليم الجنوبية، وذلك جراء إحساسها بالهزيمة عقب صدور القرار الأخير لمجلس الأمن الدولي، فمع ذلك العناصر الانفصالية ليست وحدها الموجودة في العيون وبوجدور والسمارة وباقي مدن الصحراء المغربية، ذلك أن آلاف المواطنات والمواطنين بالأقاليم الجنوبية لا علاقة لهم بهذه العناصر، وهم يعيشون داخل وطنهم المغرب، ويتطلعون إلى ترسيخ الوحدة والديمقراطية والبناء كما باقي المغاربة في مختلف جهات المملكة، وهؤلاء يستحقون أيضا أن يسلط عليهم الضوء.
إن السياق هو فعلا سياق التعبئة وتمتين الوحدة الداخلية، لكن من الضروري التساؤل اليوم عن اختفاء كل أولئك الذين استفادوا في الصحراء ومن الصحراء، وعن عجزهم عن إنتاج خطاب مضاد للعناصر الانفصالية…
أين هؤلاء كلهم؟ لماذا سكتوا؟
في السياق نفسه، يجدر اليوم التذكير بالعواقب التي نتجت عن حرمان القوى الديمقراطية والتقدمية طيلة سنوات من العمل بحرية في الأقاليم الجنوبية، ومن المساهمة في تأطير عقلاني وطني للأجيال الصاعدة، وهذه المنظومة التدبيرية والسلوكية تجاه الأحزاب الجدية والنقابات المناضلة والجمعيات المستقلة هي التي أنتجت كثيرا من الفراغ حوالي المكان هناك، وهي التي تعطي الدليل على عجز السياسات التحكمية والهيمنية والأحادية وفشلها في إنتاج… المصداقية.
إن الأقاليم الجنوبية ليست فارغة من الوطنيين المغاربة، وليست بلا نخب وفعاليات ذات مصداقية، كما أنه ليس كل من يخرج في الأقاليم الجنوبية للاحتجاج أو للتظاهر، إنما يفعل ذلك بخلفيات انفصالية، بل في أقاليمنا الجنوبية يوجد مناضلون حقيقيون، وهناك أيضا أطر وكفاءات علمية وإدارية وسياسية وثقافية، وعدد من هؤلاء يشعرون بالتهميش، ولا يجدون الإنصات اللازم من المسؤولين.
فعندما نقرأ اليوم تنويه مجلس الأمن بعمل المجلس الوطني لحقوق الإنسان ولجانه الجهوية، فيجب أن نستحضر أن هذه النتيجة كانت مسبوقة بدينامية دامت سنوات، ونتذكر كثير جلسات عقدها داخل البيوت في الأقاليم الجنوبية الراحل إدريس بنزكري، وقيادات منتدى الحقيقة والإنصاف ومناضلون حقوقيون آخرون، وبهذا كان يتم التأسيس لما تحقق اليوم، وذات الأمر حدث كذلك منذ سنوات من طرف مناضلين سياسيين، وقامت به أحزاب تقدمية لم يكن أحيانا يسمح لها حتى بتنظيم تجمع عمومي في قاعة، كما عانى مرشحوها عندما كانوا يتجرأون على خوض مغامررة التنافس الانتخابي في إحدى الدوائر هناك، واليوم من الواجب إعادة قراءة هذا الماضي، واستحضار كل أخطائه، والحرص على الاستفادة منه، ومن ثم دعم القوى الوطنية التقدمية الجادة في عملها داخل الأقاليم الجنوبية، واحترام استقلاليتها، ومصداقية مناضلاتها ومناضليها، وأيضا تفعيل التشاور والتنسيق معها خدمة للمصالح الوطنية لبلادنا وشعبنا.
إن إفشال مناورات خصوم الوحدة الترابية، لن يتم من دون التفاعل الإيجابي مع آلاف المواطنات والمواطنين الوحدويين داخل الأقاليم الجنوبية، والإنصات إليهم، وإنجاح ما يقومون به من وساطات ومساعي ضمن الأنساق المؤسساتية الوطنية والمحلية، ولن يتم ذلك أيضا من دون تقوية حضور ونضالية القوى الوطنية التقدمية ذات التاريخ والمصداقية واستقلالية القرار في الميدان، ودعم جهودها، ولن يتم ثالثا من دون إشعاع الثقة والاحترام تجاه النخب المحلية التي تريد خدمة بلدها بلا ريع أو ابتزاز.
إنها الطريق التي ستؤدي إلى تقوية خطاب مضاد للانفصاليين، وجعله خطابا مقنعا وذا مصداقية.

Top