I.N.D.H

سيكون من الإجحاف القول باطلاقية فجة بأن «المبادرة الوطنية للتنمية البشرية» لم تحقق شيئا، وبأن عشرات المشاريع الصغرى في البوادي والمناطق الجبلية التي استفادت منها أسر فقيرة لا تمثل شيئا في المعيش اليومي لهذه الفئات الضعيفة من شعبنا، لكن، في المقابل، سيكون أيضا من باب الكذب، أو على الأقل ضعف النظر إلى الواقع، القول بأن التجربة كانت ناجحة جدا، أو أنها تمكنت من تغيير الحياة اليومية لشعبنا.
إن فكرة «المبادرة» تستمد قوتها من كونها تتوجه إلى الناس، أي أنها تقوم على مشاركتهم في صنع كل تفاصيلها، من التخطيط والتفكير إلى البرمجة والإنجاز والتنفيذ والمتابعة، وبالتالي هي مبادرة شعبية، الفاعلون الرئيسيون فيها هم بالذات المستفيدون من برامجها، ولهذا، فإن غياب، أو على الأقل ضعف، هذه «الشعبية»، وهذه التلقائية هو ما يمثل نقطة الضعف الكبيرة في المبادرة برمتها.
ربما عند إطلاقها لم يكن ممكنا سوى الارتكاز إلى جهاز السلطات الإدارية من أجل تأمين فاعلية الأداء وصرامة المراقبة، لكن اليوم، وبعد سنوات التطبيق التي مرت، يجدر الإقرار أن كثيرا من نقاط ضعف المبادرة توجد بالضبط في إشراف السلطات الإدارية على منظوماتها كلها، ومن شأن تغيير ذلك أن يكسبها نفسا جديدا، وأن يحرك ديناميتها العامة، وامتدادها وسط الناس.
تحتاج «المبادرة الوطنية للتنمية البشرية» إذن إلى إعادة تموقع عميقة، وذلك بما يجعلها محتضنة من لدن المستهدفين بها، وليس من طرف «جمعيات» يتم توجيه المقدمين والشيوخ وبعض المنتخبين إلى خلقها في مناطقهم، وبمجرد استكمال عملية الإيداع الشكلي لملف التأسيس، يتم إغداق الاعتمادات والمشاريع والخدمات على مثل هذه الجمعيات التي لا يكون لها أثر على الأرض، وصارت العملية، بذلك، بمثابة نوع جديد من الريع يوزع على من ترضى عنهم السلطات المحلية.
المطلوب اليوم أولا التحقيق الجدي في مختلف برامج المبادرة كما يتم تطبيقها في عدد من العمالات والأقاليم، والحرص على إعادة الاعتبار لنبل المنطلق، ولأهمية الفكرة، ثم بعد ذلك فتح مشاورات واسعة بغاية إيجاد أحسن السبل لتمكين المواطنات والمواطنين من امتلاك «المبادرة» وتمثل أهميتها ونبل أهدافها.
إن إعادة التموقع المشار إليها بإمكانها أن تنتقل بـ «المبادرة الوطنية للتنمية البشرية» إلى جعلها بمثابة دينامية تنموية حقيقية تساهم في تحسين الأوضاع المعيشية والاجتماعية للفئات الفقيرة والهشة من شعبنا، خاصة في الظروف الوطنية الحالية، وفي ظل صعوباتها وإكراهاتها الاقتصادية والمالية.
ولإنجاح الرهان، لابد أولا أن تستمر «المبادرة» وتتعزز قدرتها التمويلية، ثم لابد، كما سلف، أن يتم تجديد تموقع منظوماتها بعيدا عن الإشراف المباشر والقوي للسلطات المحلية في المناطق، وتتقوى صيرورات انخراط المواطنات والمواطنين ومشاركتهم في مجموع دينامياتها.
الفكرة كبيرة إذن، والمنجز الذي تحقق لا يمكن إنكار أهميته، لكن لو عولجت بعض الاختلالات، بنيوية كانت أم  عملية، لكان الذي تحقق أكبر بكثير، والمطلوب اليوم إحداث النقلة المطلوبة.

Top