‎تدبير قطاع…

لا جدال فيه أن النشاط الرياضي في عالم اليوم تحول إلى صناعة قائمة الذات تستدعي التخطيط والتدبير العقلانيين، وأي تأهيل لا بد أن يمر عبر تكثيف الجهود بين المسيرين والهيئات المنتخبة والفاعلين الاقتصاديين، وضرورة ارتباط الاستثمار في المجال بإجبارية النتائج، والإيمان بحتمية التنمية الرياضية على مستوى كل الجهات وقواعدها، وأن النجاح مرهون بالإجراءات والقرارات العملية التي يمكن أن تتحول بالفعل إلى برامج قابلة للتطبيق تسمح بإعادة تكوين جيل كامل من الفعاليات في مجالات التسيير والتدبير.
هذه الحقيقة لم تهتد إليها الدولة إلا مؤخرا، بعد أن راكمنا الكثير من التأخير، وبعد أن تجاوزنا ركب الرياضة العالمية بعقود من التجربة والبنيات التحتية والهياكل الأساسية، والأطر المكونة، ومن مختلف التخصصات، لنجد أنفسنا أمام فارق مهول، ونحن الذين حاصرنا أنفسنا وسط التغني بماض كانت فيه الرياضة الوطنية شعلة ليس فقط على الصعيدين العربي والإفريقي، بل حتى على الصعيد الدولي.
فقد ارتبط البعد الدولي للرياضة الوطنية بثلاث أنواع لا رابع لهما وهى كرة القدم، وألعاب القوى والتنس، مع حضور متقطع لرياضة الملاكمة، وعلى هذا الأساس اعتبرت جامعاتها من الجامعات السيادية التي تحظى مند سنوات بأهمية استثنائية، وميزانيات خاصة.   
والواقع  أن نتائج الرياضات الثلاثة الأولى، ارتبطت دائما بصورة المغرب وإشعاعه على الصعيد الدولي، فكرة القدم كانت دائما ولا تزال وستظل الرياضة الأكثر شعبية، والقادرة على إخراج الجماهير إلى الشوارع عن طواعية، للتعبير عن لحظات الفرح دون تسجيل أي خسائر أو أعمال شغب.
بالنسبة لألعاب القوى الوطنية، فالعطاءات الباهرة لنجوم من العيار الثقيل، شكلت منذ بداية العصر الذهبي لأم الألعاب ـ بداية الثمانينات ـ  الملهم لجيل بكامله، قاده باقتدار كل من سعيد عويطة ونوال المتوكل، وجاء بعدهما إبراهيم بوطيب وخالد السكاح وكانا خير خلف لخير سلف.
بعد هذه الأسماء الكبيرة، ظهر جيل ذهبي جديد قاده الأسطورة هشام الكروج ونزهة بيدوان وصلاح حيسو، وصولا إلى حسناء بنحسي وجواد غريب، ومعهم استمر ترويج صورة المغرب في المحافل الكبرى للرياضة العالمية.
نفس الشيء بالنسبة للتنس الذي تمكن بفضل الثلاثي (يونس العيناوي ـ هشام آرازي ـ  كريم العلمي ) من الوصول بالمغرب إلى مصاف  الدول الرائدة عالميا كالولايات المتحدة الأمريكية، روسيا، ألمانيا، استراليا، إسبانيا،  بريطانيا، الأرجنتين، مكانة لم يصلها أي بلد نام آخر، وقد لا يصلها في الأفق المنظور.
مع بداية القرن الحالي أصبح هؤلاء الأبطال يجدون صعوبة عن مواصلة المسير بنفس التوهج، وتراجع العطاء، وغاب الخلف القادر على حمل المشعل، وسقط الجميع في دوامة من المشاكل والخلافات والصراعات الهامشية، كنتيجة طبيعية لغياب التخطيط البعيد المدى، بل وغياب سياسة رياضية واضحة المعالم ومحددة الأهداف والأسبقيات، مادام النهج الرسمي المتبع يعتمد بالأساس على تلميع الواجهة والتركيز على الفرديات والفلتات التي يجود بها الزمن.
بعد انتظار طويل زاد من استفحال الأزمة، بدأت محاولات الإنقاذ، لكن بنفس التوجه تقريبا، وذلك بتكليف شخصيات وازنة بملفات الجامعات السيادية، تحمل مرجعية فيما يخص التسيير الحداثي المبني على الرؤية المستقبلية، والتدبير وفق شروطه العلمية، لكن يبقى المنطلق متسما بنفس الأخطاء، بضرب كل الأساليب الديمقراطية المتعارف عليها، وذلك بتغييب الكفاءات التي لا تتفق مع الآراء والأفكار السائدة، والأكثر من ذلك إلغاء أي رأي معارض.
بهذا الأسلوب يتم البحث عن إعادة الأمجاد، بعدما تجاوزنا الركب بكثير، وأصبح رياضيونا غير قادرين على المنافسة عربيا وقاريا وغير مؤهلين تمام للعبور من جديد نحو عوالم التألق الدولي الذي أصبح يتطلب شروطا كبيرة وتكاليف باهظة…

[email protected]

Top