للصباح وجوه

بعض الوجوه التي نصادفها في صباحاتنا تمنح الانطباع بأن علاقتها بهذه الفترة من فترات اليوم ليست على ما يرام بتاتا.
وجوه عابسة، عمش في عيونها، هالة من الصمت تسيج بها نفسها ولا تمنح الفرصة

لمفاتحتها في موضوع ما، حين يتجرأ المرء على مساءلتها حول سبب تجهمها، ينبغي أن يتوقع الأسوأ.
والويل كل الويل لمن يلكزها أو بالأحرى يلمسها سواء عن قصد أو عن غير قصد في زحمة ما.
لا شك أنه في كثير من الأحيان، كان أحدنا عرضة لمثل هذه المواقف الحرجة.  
قد يكون من عادتك أنك حين تريد النزول من القطار على سبيل المثال، تتعجل المشي وعيا منك بأن هناك مسافرين آخرين يقفون وراءك وينتظرون إفساح الطريق لهم من أجل المرور هم كذلك؛ فتحث من يقفون أمامك مباشرة على الإسراع في المشي، غير أنك تصادف – يا لسوء حظك- من لا يساير إيقاع سيرك؛ فيقع الاصطدام ويكون ذلك بمثابة النقطة التي تفيض كأس الغضب، وإطلاق شتائم وعبارات جاهزة من قبيل: الصباح لله.
إحداهن قد لا تتردد في التعبير عن انزعاجها منك حين يصطدم جسدك بجسدها أو بالأحرى يلامسه، ويكون ذلك بطبيعة الحال لا إراديا، بالنظر إلى أن باب القطار يكون مزدحما بالمسافرين وبأمتعتهم، وتعتذر، غير أن اعتذارك على ما يبدو لا يقنعها؛ مما يجعلك تنفعل وربما قد تصرخ:
آ للا، كان عليك أن تبحثي عن مكان ليس فيه زحام حتى لا يصطدم بك أي أحد، أو بالأحرى حتى لا يقع تماس بينكما.
ويمكن أن تضيف بعض التوابل في محاولة لإقناعها بأن الخطأ خطأها وليس خطأك:
آللا، لا يعقل أن نكون داخل النهر، ونخشى البلل..
ويمكن أن تأتيك الإجابة سريعة:
النهر تغرق فيه إن شاء الله.
عليك أن تتوقع الأسوأ دائما في الصباحات، خصوصا حين يرسل الله في طريقك بعض الوجوه التي لها علاقة سيئة مع هذه الفترة من النهار، وجوه عابسة، مكفهرة، “على سبة” حسب التعبير الدارج.
غير أن هناك وجوها أخرى توحي بالفعل أنها عاشقة للصباح.
أولا، تجدها مستيقظة في وقت باكر، وعندما نحب الحياة نغادر الفراش باكرا. حكمة لا بأس بها، وإن لم أكن قد قرأتها أو سمعتها من قبل؛ فهي مع ذلك غير مجانبة للصواب.
وجوه باسمة، لها رغبة في الكلام والثرثرة بنبرة لا تخلو من سخرية، وجوه مقبلة على الحياة، لا يزعجها برد الصباح ولا شتاؤه ولا حتى فيضاناته.
وجوه متسامحة ولا تعبر عن غضبها بسبب الصباح.
في المذياع، هناك كذلك بعض المذيعين الذين لهم علاقة طيبة مع الصباح وآخرون على العكس من ذلك.
من هؤلاء الذين ينشطون البث الإذاعي للصباح، لا تكاد تسمع غير عبارات متفائلة، من قبيل: أشرقت الأنوار، وصباح الورد والياسمين إلى غير ذلك من العبارات التي تحتفي بإطلالة الصباح.
وآخرون حين تتصل بهم عبر الهاتف للتعبير عن رأيك حول موضوع مطروح للنقاش، يبادرونك بهذا السؤال الجاف:
شكون معاي؟
ويبثون مقاطع أغاني حزينة من قبيل: أيامي يا ناس مشات خسارة..

Top