قبل العرض.. من أجل قليل من التجاوز والإنصاف

شكلت مرحلة السبعينيات والثمانينيات في المسرح المغربي، فترة فورة مسرحية لعل أبرز ملامحها هو ماسمي (عرف) بتنظيرات (بيانات ) المسرح المغربي: الاحتفالية، المسرح الثالث، المسرح الفقير، مسرح النقد والشهادة، مسرح المرحلة.. وكلها تلتقي في ثوابت أساس، منها: – وليدة مسرح الهواة الذي عرف بحمولته الإيديولوجية واستقطابه لحركية الشباب الدي ينتمي إلى المد اليساري.
– الإعلان عن الذات ومحاولة تثبيت الانتماء إلى الطليعة.
– على مستوى الشكل (حضور مفاهيم: الاحتفال، التاصيل، الهوية).
– على مستوى المضمون (حضور مفاهيم: التراث، الذات، التاريخ، الأسطورة)

إنها تجارب عكست وتقاطعت مع المرحلة التي أفرزتها ومع الأسئلة التي ولدتها واليوم وبعد كل هذ السنوات لابد من طرح مجموعة من الأسئلة:
يبدو أن نفس الأفكار ونفس الطروحات بل ونفس الصيغ التعبيرية والأسلوبية تتكرر وكأن لا شيء يحصل في العالم، سقطت أفكار وظهرت أفكار جديدة، أنظمة تغيرت ونظريات المسرح صامدة (فقط عند أصحابها) تواجه العالم في جمود، ألا يستدعي منا هذا المزيد من الأسئلة. لماذا لا تثير هذ النظريات الاهتمامات الفنية للتجارب المغربية الجديدة؟ أين المشكل؟ أين يكمن الخلل؟ هل في هذه النظريات؟ أم في أصحابها؟ أم في التجارب الجديدة التي خلقت أفقا آخر لمسارحها؟
ثمة خلل بنيوي بين هذه النظريات والممارسة المسرحية الجديدة في المغرب..
أخطر شئ يهدد المبدع المسرحي أن يبني شيئا اسمه نظرية ويقيم فيها..
الإقامة بدون سؤال موت..
الإقامة بدون شك انتحار..
من يقيم في البديهي لا يعول عليه.
الأمر لا يتعلق بقبول أو رفض، مع أو ضد، بمساند أو منتقد لهذه النظريات، فهاته النظريات  ملك مشاع للمسرح وللمسرحيين، ولهذا لا يجب أن يقدم أصحابها أنفسهم كضحايا أو كحماة للهيكل، فعندما سنشك في المسرح، ءانذاك سنزيده توهجا..
حضرت ندوة “البيانات المسرحية المغربية والمستقبل” المنظمة في إطار فعاليات المؤتمر الفكري لمهرجان المسرح العربي بالرباط، يوم الثلاثاء الماضي (13 يناير 2015)، وجاهدت في الإصغاء والاستماع طيلة أربع ساعات، لسبع مداخلات، كنت أنتظر مفاجأة ما، كنت أتوقع أن أسمع وجهة نظر مختلفة عما قيل منذ سنوات، عن سؤال مسرحي حقيقي مربك يدفعني لتجديد معرفتي المسرحية، ورغم أن محمد بهجاجي فتح أفقا تركيبيا على المستقبل، فإنني وجدت نفسي أصغي إلى أشياء قيلت واستهلكت، ولفرط التكرار فتحت مذكرتي لأتأكد أننا في ندوة تقام سنة 2015 وليس 1986..
خرجت وفي الطريق إلى الفندق تذكرت أننا نحتفل بمئوية المسرح المغربي..
تذكرت الرواد…. الكنفاوي. الطيب الصديقي. لعلج.. تيمد.. الكغاط.. المنيعي.. لحلو.. قاوتي.. فاضل..عوزري.. ثريا.. سلمات.. وأسماء كثيرة.. ثم توقف الشريط…
وسألت عن مكاني في هذا المسرح؟ ماذا أفعل هنا في هذا المسرح الذي يسمونه مغربيا؟ هل فعلا أنجزت أكثر من 17 عملا مسرحيا؟ هل فعلا قدمت عروضي في قرطاج والقاهرة وعمان دمشق وغرنوبل وباستيا.؟ لا،  لا يمكن أنت مازلت فنانا شابا. انتظر دورك (ساعتك حتى تهرم أو تمرض). سألت عن جيلي من الخريجين.. حتى هم مثلي مازالوا شبابا رغم أن لبعضهم أولادا يدرسون في الباكالوريا؟
أين هم؟ من سينصفهم؟… من سينصف هذا الحراك الإبداعي المسرحي المغربي؟
الانصاف الحقيقي للابداع هو الحديث (بنقد) عن التجارب إبان تواجدها لكي نوجهها ونحفزها للعمل… أما عندما تشيخ فكل كلام يصبح مجرد بكاء على الأطلال ….
أصدقائي المسرحيون…
انصفوا تجارب اليوم.. ولو بأضعف الإيمان.  

*مخرج مسرحي

Top