من المؤكد أن التظاهرات الثقافية لا تحظى عادة بنفس الاهتمام الإعلامي الذي تحظى به التظاهرات السياسية والاقتصادية والرياضية في تفاصيل تفاصيلها، نظرا لأن الثقافة لم تشكل بعد أولوية من الأولويات التي على هذا الإعلام أن يتابعها بنفس الاهتمام والتدافع الذي من نصيب المجالات التي ذكرت، حيث جرى العرف السيء بمتابعة حفلي الافتتاح والاختتام في أحسن الأحوال، سواء تعلق الأمر بالسمعي البصري أو المكتوب، فيكون رد الفعل نفسه بإلقاء اللوم على هذا الإعلام الذي يقصر في حق الثقافة والإبداع، مفضلا التهافت على كل ما هو مثير وجالب للجمهور والإشهار. غير أنه لحسن الحظ ربما، دخل منذ سنوات نوع جديد من الإعلام إلى الساحة، مما فتح كوة تكبر مع الأيام في هذا الجدار السميك المضروب على الثقافة بوعي أو بدون وعي.
هذا الفاعل الجديد، يهم بالخصوص المواقع الإلكترونية التي تتميز من جهة بنشر المكتوب والسمعي البصري معا، عكس الإعلام الكلاسيكي المحدود في تخصصه، والمقيد بوتيرة بطيئة، بالمقارنة مع المواقع الإلكترونية التي توفر مساحة أكبر وتستغل الوقت بوثيرة سريعة جدا، وتستطيع أن تصلك في أي بقعة من العالم. ثم هناك القنوات التلفزيونية الخاصة (المهاجرة) التي بدأت تهتم أكثر بالتظاهرات الثقافية والفنية التي تحتضنها بلادنا وتعمل على متابعتها بطريقة أفضل وأوسع.
لذلك، لم يكن غريبا أن تتفوق تغطية هذا الجيل الإعلامي الجديد (إذا جاز التعبير) للدورة السابعة لمهرجان المسرح العربي، على متابعة الإعلام الكلاسيكي، الذي بدت تغطيته متواضعة جدا، بالنظر إلى الفعاليات المتنوعة والمكثفة للمهرجان. ففي الصحافة المغربية المكتوبة وباستثناء جريدة واحدة أفردت صفحتين يوميا لنقل أجواء المهرجان وفعالياته إلى القراء، اكتفت أغلب الصحف بنشر مواد قليلة حول بعض فعالياته، خصوصا حفل الافتتاح، وهو تقريبا نفس التعامل الجاري به العمل في وسائل الإعلام العمومي المغربي. في حين لاحظت أن مواقع إلكترونية وقنوات تلفزية خاصة تعاملت بشكل أفضل من خلال محاولة مواكبة كل فعاليات المهرجان على كثرتها ونقل صور وفيديوهات ومقالات عنها إلى الجمهور الواسع.
لا أريد أن أذكر – الآن على الأقل- نماذج من هنا وهناك عن أسلوبين مختلفين في التعامل الإعلامي مع التظاهرات الثقافية والفنية، من خلال نموذج مهرجان المسرح العربي الذي تحتضنه بلادنا، حتى لا أظلم أحدا ولا أقوم بالدعاية لأحد، ولكن من الواضح أن العودة إلى نفس دوامة انتقاد الإعلام المغربي الكلاسيكي على تقصيره، لم تعد تجدي نفعا، فمن شب على شيء شاب عليه، فلنتركه يقوم بما في وسعه، ولنراهن على هذا الجيل الإعلامي الجديد في رد الاعتبار للمنتوج الثقافي والفني بما فيه التظاهرات الثقافية، فهو رهان أجدى وأنفع، وحين تفتح البلاد الباب واسعا للقنوات التلفزيونية الخاصة، وهذا مطلب لا نرغب في أن يظل معلقا في بلادنا إلى أجل غير مسمى، لأن ذلك ليس في مصلحة أحد، فإن إعلامنا العمومي بالخصوص، وذلك الكلاسيكي عموما، سيجد نفسه أمام خيارين لا ثالث لهما، عندما تشتد المنافسة ويفتح القطاع للتعدد، فإما أن يتخلص من تهميشه للثقافة وكل ما يعتمل في المجتمع كي يستمر ويضمن جزءا محترما من الجمهور، وإما أن يتكلس ويهجره الجمهور المغربي أكثر فأكثر، فينقرض مع مرور الزمن.
*شاعر مغربي