أوباما يفشل في أن يكون رئيس السلام الأمريكي

فشل الرئيس الأميركي باراك أوباما في أن يحقق أمله بأن يكون الرئيس الذي يبعد الولايات المتحدة عن سنوات من الحروب؛ فقد أجبرته الحرب الدائرة في العراق على إعادته قواته العسكرية لمحاربة تنظيم داعش؛ وفيما يتوقع الخبراء أن تدفع الأوضاع في أفغانستان إلى تمديد التواجد العسكري الأميركي في هذا البلد إلى ما بعد 2016، تحول الصراع في سوريا إلى شكل آخر وانتشر تنظيم الدولة الإسلامية في البلاد، بما أجبر أوباما، الحائز على جائزة نوبل للسلام، على تغيير مخطّطاته في سوريا. وتأكّد هذا التغيير مع إعلان واشنطن إرسال مجموعة صغيرة من القوات الخاصة الأميركية إلى سوريا لدعم القوات المحلية ضد تنظيم الدولة الإسلامية، ويتوقع أوباما أن تحدث اختلافا حقيقيا في فوضى القتال الدائر في سوريا مع فشل جهود حسمه في السابق.
ويتزامن هذا التحوّل في السياسة مع توسيع برنامج سري لوكالة المخابرات المركزية الأميركية ينقل أسلحة إلى معارضي الرئيس السوري بشار الأسد ومع حملة دبلوماسية جديدة لوزير الخارجية جون كيري لإيجاد حل سياسي للصراع.
وقد لا تكون عملية إرسال 50 جنديا أميركيا وحدها كافية لتغيير الحرب الأهلية السورية بشكل جوهري. فهذه القوات صغيرة جدا ونسبيا، من الناحية العددية، ولن تقوم إلا بدور استشاري ومعاون تاركة الولايات المتحدة تعتمد بشكل كبير على حلفائها من المعارضين الذين لم يثبت دائما أنه يمكن الاعتماد عليهم.
ولكن، ذلك يمكن أن يساعد في الحد من تصورات في الشرق الأوسط بوجود تردّد لدى الولايات المتحدة في أعقاب مواقف محرجة تعرضت لها إدارة أوباما وعزّزت أيضا الانتقادات الداخلية لسياسته الخارجية، من ذلك انهيار برنامج لوزارة الدفاع الأميركية بلغ حجمه نصف مليار دولار لتدريب وتجهيز المقاتلين السوريين، وكذلك قرار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالتدخل العسكري في سوريا والذي جاء بسرعة لم تكن متوقعة. وقالت مصادر حكومية أميركية إن روسيا لها الآن عدة آلاف من الجنود في سوريا تدعمهم طائرات ومدرعات.
وأدى الإعلان عن إرسال المستشارين العسكريين الأميركيين إلى قلب استراتيجية عمرها عام تركزت على دعم مقاتلي المعارضة السورية الذين يحاربون تنظيم الدولة الإسلامية دون نشر جنود أميركيين على الأرض.
وقد قال مسؤول في إدارة أوباما إن هذا الإعلان “يهدف بالتأكيد إلى توجيه رسالة مفادها: إننا نعزز أداءنا داخل سوريا وإننا جادون تماما في ملاحقة داعش وإنه لن تثنينا أيّ محاولات عن دعم الأسد”.

سي. آي. إيه تتوسع بحذر

يشمل تغير الاستراتيجية أيضا وضع عدد أكبر من الطائرات الأميركية في تركيا لتعزيز الغارات الجوية مع استعداد مقاتلين أكراد سوريين وعرب ومقاتلين معارضين آخرين للتقدم صوب مدينة الرقة التي تعد فعليا عاصمة تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا.
في هذا السياق، قال فريد هوف، مبعوث وزارة الخارجية الأميركية السابق إلى سوريا، إن مجرّد إرسال الولايات المتحدة حفنة من الجنود خطوة أشبه بالإسعافات الأولية أكثر من كونها تحركا يغير قواعد اللعبة. ولكنه قد يفتح أبوابا.
وأوضح أن واشنطن ربما تتمكن من خلال المجازفة باتخاذ خطوة أكبر على الأرض في سوريا من تحفيز القوى الإقليمية على توفير عناصر القتال البري اللازمة للقضاء على تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا.
وتعهد أوباما بعدم تحويل سوريا إلى ساحة حرب بالوكالة مع روسيا التي باغتت واشنطن بتكثيف دعمها العسكري المفاجئ للأسد. لكن وكالة المخابرات المركزية الأميركية (سي. آي. إيه) زادت في الآونة الأخيرة وبالتعاون مع السعودية وقطر من الجماعات التي تمدها سرا بأسلحة منها صواريخ تاو المضادة للدبابات، وذلك حسبما قال مصدر على دراية بعملية الدعم.
وقال مصدر آخر إنه تم هذا الشهر تسليم شحنة جديدة كبيرة من صواريخ تاو لجماعات سنية تقاتل القوات الحكومية السورية المدعومة من روسيا في شمال غرب سوريا وترى الولايات المتحدة أنها معتدلة نسبيا. وذكرت المصادر الأميركية أن توزيع صواريخ تاو يخضع لمراقبة دقيقة من جانب السي. آي. إيه وحلفائها في المنطقة لضمان وصولها إلى المعارضين الذين يعرفون كيف يستخدمونها وليسوا من الجهاديين المتشددين.
مع هذا أقرّت المصادر أن عددا محدودا على الأقل من صواريخ تاو وصل إلى أيدي جهاديين. وقالت إن المسؤولين الأميركيين ليست لديهم خطط لتقديم أيّ نوع من صواريخ مانباد أرض/جو التي تحمل على الكتف للمعارضة السورية.
وأكّد ذلك مسؤول بالمخابرات قائلا “من المفهوم أن المعارضة تريد أن تضرب الروس مباشرة لكن انتشار صواريخ مانباد في منطقة بها وجود كبير للإرهابيين يتجاوز مرحلة الخطر.”
ويريد الأميركيون أن يتجنبوا بأيّ ثمن السماح لأسلحة مثل صواريخ ستينغر التي تم تقديمها للمجاهدين المناهضين للسوفييت في أفغانستان في الثمانينات من السقوط في أيدي مقاتلين مناوئين للولايات المتحدة ربما يستخدمونها في ضرب طائرات تجارية أو أهداف غربية أخرى.
بناء قوة دفع
أعلنت الولايات المتحدة عن قرار إرسال قوات عمليات خاصة إلى سوريا في نفس اليوم الذي وجّهت فيه 17 دولة إضافة إلى الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة نداء بوقف إطلاق النار في أنحاء سوريا خلال محادثات جرت في فيينا. وحضرت إيران حليفة الأسد المحادثات لأول مرة منذ تفجر الصراع عام 2011. وقال كيري الذي كان في فيينا إن توقيت الإعلان الأميركي جاء من قبيل المصادفة.
وأشار عدد من المسؤولين الأميركيين إلى أن الخطوات العسكرية لا تهدف إلى زيادة الضغط الدبلوماسي في تلك المفاوضات. لكن أحد المسؤولين أقر بأنها زادت من الشعور بوجود قوة دفع فيما يتعلق بالأزمة السورية. وقال المسؤول بالإدارة الأميركية “هناك شعور بوجود قوة دفع.. بدأت الأمور تدفع الناس لاتخاذ خيارات مختلفة عما كانوا يطرحونه”. وتابع “إضافة المدربين (من قوات العمليات الخاصة) ربما يساهم في ذلك. لكن هذا ليس هو السبب وراء اتخاذنا هذه الخطوة.”
وقال مسؤول أميركي آخر إن الإدارة تأمل أن تعزز الدفعة العسكرية، الرامية لدحر تنظيم الدولة الإسلامية والجهود الساعية لحل دبلوماسي لإنهاء حكم الأسد، بعضها بعضا بمرور الوقت.
واعتبر ديريك كوليت، الذي شغل منصب مساعد وزير الدفاع في عهد أوباما، إن القرار الأميركي بإرسال قوات عمليات خاصة إلى سوريا وتعزيز الوضع الجوي الأميركي “يعطينا قوة للسير في المسار الدبلوماسي”. وقد تعطي الخطوة أيضا قوة دفع لأوباما خلال زيارته تركيا هذا الشهر، حيث سيحضر قمة مجموعة العشرين مع بوتين. وقال كوليت، وهو الآن مستشار كبير بصندوق مارشال الألماني، “بهذه الخطوات المنسقة نرى استراتيجية سياسية عسكرية تتشكل”.

Top